هشام الحاجي يكتب عن المشهد التونسي “المستعصي عن الحل”
هشام الحاجي
أصبح معلوما من الجميع أن تونس تعيش أزمة سياسية حادة و مركبة، لا يساعد اعتبارها نتيجة مؤامرة قوى داخلية وخارجية ” مناهضة للثورة ” على تخطيها، أو على خلق ديناميكية تسمح بالخروج من أسرها.
ذلك أن الوضع الحالي هو بالأساس ” صناعة تونسية ” ، حتى و إن تدخلت بعض المكونات الخارجية في هذا المنتوج، الذي لم يعد يعجب في الداخل والخارج.
و لا شك أن استعراض مختلف مظاهر الأزمة لا يفيد كثيرا، إذ لا يمثل إلا استردادا لأشياء أصبحت معلومة و هو ما يفرض دفع التفكير إلى ما هو أعمق، في تفكيك مكونات الأزمة و بشكل أبرز إمكانيات تخطيها، في المدى القصير و هنا يبدو واضحا أنه يصعب كسر الحلقة المفرغة بسهولة.
فإذا ما انطلقنا من مقاربة شكلانية تتمسك بالنصوص و المؤسسات، سنكتشف دون عناء أن دستور الجمهورية الثانية لا يوفر ” منافذ خروج آمن ” من الأزمات، بل يزيدها تعقدا و يساهم في شل مواقع القرار و تعميق الصراع بينها، و يجعلها عاجزة حتى عن التخلص من بعضها ، و هو ما يتجلى في ” صراع الرئاسات ” الذي نعيش على وقعه حاليا.
و هذا الصراع يحيلنا إلى القراءة التي تنطلق من الواقع و التي تبرز حالة توازن الضعف التي تجعل الوضع مرشحا للاستمرار. فالحكومة ضعيفة سواء في مستوى أداء و شخصية رئيسها أو كفاءة أغلب أعضائها، و أيضا ما تحظى به من دعم سياسي، و رئيس الجمهورية يحلق في عوالم أخرى بعيدة كل البعد عن الواقع و تعقيداته، و يصعب أن يساهم في الحل و هو الذي أغلق من حيث لا يدري الباب أمام ” حليفه الواقعي ” نورالدين الطبوبي، حين وضع عوائق يصعب تخطيها أمام مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل من خلال تمسكه باستبعاد ” الفاسدين” من الحوار.
كما أن الاتحاد العام التونسي للشغل ليس هو أيضا في أفضل حالاته، مقارنة بالفترة التي تداعى إليه الجميع من أجل انجاح الحوار الوطني سنة 2013 ، فقد تأثر سلبيا بما يعيشه من خلافات حول مسألة التداول على المسؤوليات، و أيضا بانخراطه أكثر من السابق في تفاصيل الحياة السياسية، علاوة على أن حالة الركود التي يعيشها الاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية جعلته يتحمل لوحده عبء التعبير عن رأي و مواقف المنظمات، التي لعبت من خلال تمثيلها لحقول الإنتاج الاقتصادي دورا في أهم التحولات التي عاشتها الدولة الوطنية منذ الإستقلال.
قد يكون تراجع الدور مؤشرا على أن الهندسة التي بنيت عليها الدولة الوطنية يجري تغييرها بهندسة أخرى و أن الانتقال من الاقتصاد المهيكل إلى الموازي قد يؤدي إلى انزياح التمثيلية الاجتماعية من نقابات العمال إلى ” التنسيقيات “.
و لكن الثابت والمؤكد أن الاتحاد العام التونسي للشغل غير قادر حاليا على أن يجمع أهم الفاعلين السياسيين في حوار وطني.
و لا شك أن رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي ليس أفضل حالا بل يبدو أن الصراعات التي تشق حركة النهضة قد انهكته و أن رئاسة البرلمان قد استنزفته خاصة و أن أداؤه قد أبرز في عدة مناسبات عجزا عن تجاوز حسابات الانتماءات و الولاءات الضيقة، و حال دونه و دون الارتقاء إلى مصاف ” رجل دولة ” له رؤية استشرافية، و حتى ملف المصالحة الوطنية، فإنه لم يحقق فيه منذ سنوات اختراقا لافتا و هو ما يقلص من قدرته على لعب دور إيجابي في حوار وطني متوقع، وهو حوار لا يرغب فيه الغنوشي فعليا لأنه يخشى أن يكون هذا الحوار مدخلا لخلق واقع سياسي جديد مغاير لما أفرزته الإنتخابات. .
ان الوضع التونسي اليوم يقترب من حالة الاستعصاء عن الوصول إلى منفذ آمن خاصة في ظل هيمنة منطق المؤامرة و رفض الإقرار بالأخطاء التي ارتكبت و التمسك بمنطق الهويات المغلقة و تحميل الآخرين مسؤولية كل السلبيات.
Comments