هشام الحاجي يكتب: “من غشنا فهو منا”
هشام الحاجي
طغت أخبار الغش على متابعة الرأي العام لامتحانات البكالوريا . و لكن هذا الإهتمام سرعان ما أخذ يخفت لأننا أصبحنا نتحرك وفق ” تشريط انفعالي” يجعل اهتمامنا بكل قضية انفعاليا و انيا و بالتالي سطحيا .
أقيمت ” محاكمات ” عاجلة في مواقع التواصل الاجتماعي و بعض وسائل الإعلام للتلاميذ الذين اختاروا الغش و أغلق الملف. و لا شك أن تواتر أخبار الغش منذ سنوات يؤشر على اننا أمام ظاهرة لها جذورها بكل تأكيد و هي أشبه ما يكون بالبهارات التي لم تغب منذ القدم عن الامتحان.
و لكن ارتفاع ” كمية البهارات” لا تؤدي الا إلى إفساد الطعام و هو ما يتهدد حاليا سمعة و مكانة الامتحانات الوطنية في تونس. و لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تطغى ” القيم المضادة ” على القيم التي يعمل النظام التربوي على تكريسها في الناشئة.
ذلك أنه من البديهي التذكير أن للبرامج التربوية أهدافا معرفية و أخرى تربوية و قيمية و ذلك نظرا لأهمية دور المدرسة كمؤسسة لإنتاج و اعادة انتاج المجتمع لذاته . و لا يمكن لهذا الدور أن ينجح إلا إذا كانت للمدرسة مكانتها الاعتبارية في المجتمع و هو ما لا يتوفر بالشكل الكافي للمدرسة التونسية منذ عقود و ازداد تعمقا في العقد الأخير.
للأسف، نلاحظ أن المدرسة التونسية، فقدت تقريبا ، جاذبيتها لأنها لم تعد أداة الحراك الاجتماعي المثلى (مصعد اجتماعي) و تكاد تغيب فيها القيم التي يمكن ان تمنحها جاذبيتها المعنوية .
و تحول ” الغش” و البحث عن ” الحلول السريعة” أسلوبا محبذا من الجميع . الاستاذ و المعلم يقايضان ، بصفاقة صادمة، التميز و النجاح بالدروس الخصوصية و بقدر ما ” يقتصد ” الأستاذ في المجهود في القسم و ” يجتهد ” في إخفاء المعلومة بقدر ما ” يبدع ” في الدروس الخصوصية .
أصبحت المدرسة التونسية تنمي لدى التلميذ هوسا مرضيا من الفشل و تجعله يبحث عن النجاح بكل السبل لأن النظام التعليمي في تونس يقوم على الامتحانات بالأساس و يكفي ان نقف حول توالي الامتحانات بشكل يجعل التلميذ ” مبرمجا ” على مواجهة الامتحانات قبل ان يفكر في اكتشاف جوانب أخرى من العملية التعليمية.
ان تنامي ظاهرة الغش في الامتحانات و تفشي الغش في كل مناحي الحياة سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو الرياضة . جعلنا نعيش ما يشبه تطبيع يزداد تكرسا مع الغش.
و يجعل من الغش في الامتحانات جزئية لا يمكن معالجتها دون اعادة نظر عميقة في النظام التعليمي في تونس و في منظومة القيم التي يستند إليها المجتمع ككل، لأنه لا يمكن لمجتمع يعاني من ” فوضى القيم ” و اللامعيارية الشاملة”، أن تكون له مدرسة تحترم القيم و تعلي من شأنها و تحارب الغش.
Comments