اغتيال خاشقجي: هل تحدد الجريمة مصير المملكة
نورالدين الختروشي *
يعيش العالم هذه الأيام على وقع تداعيات اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده باسطنبول. لاشك أن ما حصل ومن خلال حجم التداعيات معه سيؤرخ لمرحلة قادمة من تاريخ المملكة السعودية التي تعيش هذه الأيام أكبر أزمة أخلاقية وسياسية في تاريخها في شكل فضيحة دولة معولمة وفجة ومباشرة تابع فصولها وحلقاتها العالم بإخراج تركي ذكي ومبهر، جوهره الفصل بين مسار البحث عن الحقيقة أولا، والتعاطي السياسي والديبلوماسي مع تداعياتها ببرود وموضوعية، هذا في حين أنتظر المراقبون أن تسقط تركيا في التوظيف السياسي المباشر لخطيئة القرن التي سقطت فيها دولة تآمرت منذ زمن قصير على تركيا بدعمها لانقلاب عسكري بهدف الاطاحة بالديمقراطية و بأردوغان وساهمت في انهيار الليرة التركية في الأسابيع الفارطة . .
المملكة العربية السعودية مثلت منذ أربعينات القرن الماضي ركيزة من ركائز ما درجنا على تسميته بالنظام الإقليمي العربي ويذكر لها تاريخنا السياسي الحديث استعمالها لسلاح النفط عشية حرب 73، ودعمها للعراق في حربها ضد إيران، ودورها المركزي في تحرير الكويت وإسقاط نظام صدام في بداية الالفية، وقبلها جهدها المحدد في انهاء الحرب الاهلية بلبنان خلال مؤتمر الطائف الشهير، هذا بالإضافة للمكانة الرمزية التي تحظى بها في العالم الإسلامي على اعتبارها دولة الحرمين الشريفين.
كان مدهشا حد الصدمة ان توجه شبهات التورط لدولة بهذا الحجم والتاريخ والخبرة والنفوذ السياسي والأخلاقي، في جريمة بشعة وغبية أمام أنظار العالم وأن تدفع إلى تكذيب مقتل مواطنها في قنصليتها ثم تعترف بالجريمة في رواية سخيفة، احرجت بها حلفاءها قبل خصومها فكان فشل مؤتمر الاستثمار المنعقد مؤخرا في الرياض، ومقاطعته الفورية من أبرز المدعويين له، لقد كانت تلك المقاطعة بمثابة النتيجة المباشرة والمؤشر الاستراتيجي على حجم الفضيحة التي تورطت فيها العائلة المالكة في بلاد الحرمين الشريفين، فأن تتخلي مثلا شركة سيمنز الألمانية عن استثمار بقيمة 20 مليار دولار مقابل تسجيل موقف أخلاقي من شبهة جريمة رسمية.
هذا يعني ان السوق المتحكم اليوم في معادلات النفوذ والقوة والسلطة في العالم قد يضحي بحساب الربح والخسارة لصالح القيمة والحق والحقيقة، واستثناءا يعمل السوق بمنطق المبادئ والقيم. موقف الشركة الالمانية ليس سوى الصدى المزعج لصناع القرار في البيت السعودي.
فالعالم يبدو أنه مصرا لا على معرفة الحقيقة فقط بل – وهذا المهم والاهم – بالاعتراف الرسمي بالمسؤولية الجنائية المباشرة لكل المتورطين في جريمة الاغتيال البشعة التي ذهب ضحيتها الخاشقجي ومن أسفل السلم الى أعلاه مثلما جاء في خطاب الرئيس التركي. أعلى السلم يفضي الى خيمة ولي العهد محمد بن سلمان، فأسلوب أو تكتيك تركيا في التعاطي مع الجريمة أفضى كما هو معلوم عن تراجع السعودية عن روايتها الاولى التي أنكرت فيها الجريمة لتتراجع بعدها وتعترف بنصفها وهو وفاة الشهيد بين جدران قنصليتها في شجار مع خمسة عشر من أعوان أجهزتها الامنية وهي الرواية التي أسقطت عنها قناع التزوير والكذب وجعلت العالم يضغط من اكثر من موقع لمعرفة حقيقة ما جرى يوم الوقيعة بالصحفي الأعزل.
وقد ظن السعوديون أن الحل يكمن في التضحية بحاشية ولي العهد، لكن، أين الجثة ومن المسؤول ليحاسب؟ خصوصا و كل الأصابع ومن القارات الخمسة تشير الى شبهة تورط القصر الملكي السعودي، كما يبدوا من خلال التفاعل الدولي مع ما حصل أن المطلوب اليوم من وراء كل تداعيات واقعة القنصلية، هو اعادة رسم وتحديد مستقبل المملكة نفسها وكذلك مصيرها ودورها الاقليمي والدولي.
- اعلامي و ناشط سياسي
Comments