الجديد

تونس ما بعد التشريعية الى أين؟

كتب: نور الدين الختروشي*
متابعة لنتائج الاستحقاق التشريعي كتب المحلل السياسي نورالدين الختروشي مقالا تحت عنوان: “تونس ما بعد التشريعية الى أين؟” وذلك في العدد الأخير من جريدة “الرأي العام”، وفي ما يلي نص المقال:
مثلما كان متوقعا افصح صندوق التشريعيات عن أسراره فكانت خارطة جديدة للمشهد النيابي والسياسي.
الجديد المتوقع هو احالة اغلب الاحزاب وكتلها القديمة على التقاهد الوجوبي بصيغة “الطرد القاسي” لمن امتهن المزايدة والتشويش وفي المقدمة كتلة الجبهة الشعبية “والطرد الساخر” لمن جاء للبرلمان لا ليمثل الشعب بل ليحرس مصالح لوبيات الفساد المالي والاداري وفي المقدمة حزب النداء.
التصويت العقابي شمل حركة النهضة الفائزة بهذا الاستحقاق حيث تقلص حجمها الانتخابي عن العهدتين ااسابقتين وبقطع النظر عن اسباب هذا التراجع افان الحقيقة الماثلة اليوم ان الحزب الاغلبي صعده الناخب ضعيفا وغير قادر بحجمه وليس بارادته على الاستفراد بالحكم او التغول على ما حذرت الدعاية المضادة للنهضويين مذ العهدة التأسيسية.
اهم ما يميز الخارطة النيابية الجديده هو صعود ما سمي انصار الثورة مدفوعه بفشل وفساد النخب التي ادارت المرحلة السابقة من جهة والامل الجديد الذي صنعه فوز قبس سعيد في الدور الاول من الرئاسيات.
لا يهمنا هنا الوقوف عند حقيقة الخطاب الشعبوي الاحتجاجي لهذا القادم الجديد وحقيقة عدم امتلاك هذا الطرف لمقومات الوجود السياسي واستمراره ما يهمنا التأكيد ان الناخب التونسي في هذه العهدة اعلن انه يعرف ما لا يريد تماما كما أكد انه لا يعرف ما يريد.
والسؤال الملح اليوم :مع من ستحكم النهضة؟
معلوم ان النهضة وتحت ضغط نتائج الرئاسيات التي كانت تبدو كارثية عليها بعد هزيمة مرشحها الصادمة قد نجحت في لملمة شتاتها، وفاجأت المتابعين بمنسوب تعبئة داخلية غير مسبوقه مكنتها من العودة من سحيق الى القمة. وقد كان لتغيير خطابها السياسي من الاصلاحية المبدئية الهادئة الي الثورية الهادرة أثرا انتخابيا مباشرا على نجاح النهضة في الفوز بالمرتبة الاولى بما جعلها الاقل ضعفا من بقية الاطراف.
نهضة اقل حجما من العهدتين التأسيسية والنيابية مطالبة اليوم وبحكم الدستور ان تشكل حكومة وفاق جديدة لتتحمل اعباء حكم تشير كل مؤشراته انه سيكون صعبا بميزان حدة الازمة الاقتصادية والاجتماعية ووعمق ورشة الاصلاح الشامل لتركة الاستبداد التي عمقت سنوات ما بعد الثورة جل عناوينها بأستثناء عنوان الحريات العامة والفردية.
النهضة وفي خضم تخميرة الحملة الانتخابية والخوف من مجهول الهزيمة في التشريعية بعد الرئاسية، وطمعا في استعادة جمهورها الانتخابي، تعهدت بعدم التحالف مع حزب قلب تونس الذي كان منتظرا كما أكدت استطلاعات سبر الاراء ان يرث موقع المنظَومة القديمة التي مثلها حزب نداء تونس الذي انتهى في مشهد جنائزي يوم وفاة الرئيس.
النهضة في هذا المفصل تحديدا اعلنت “انقلابا ثوريا” علي نفسها اذا استحضرنا ان جوهر استراتجياتها وخطها السياسي انبنى ومنذ مراجعاتها القديمة والجديدة على البحث على المشترك الوطني مع خصومها. وقد تأكدت شرعية ومشروعية اختيارها مع العهدة التأسيسية والنيابية الاولى بعد الثورة وحققت بالتوافق. مع نداء تونس الاساسي والجوهري في خطها الاستراتيجي وهو الحفاظ على السلم الاهلي وتجذير نصاب الديمقرتطية والحريات واخراج الاسلامي من مساحة الرماية المكثفة التي عصفت به وببقية تجارب الثورات العوبيه.
النهضة مطالبة في الايام القليله القادمة بتقديم تشكيل حكومي توافقي يحقق الادنى من المقبولية من كل الاطراف المعنية بتوازنات الخارطة.
ولكن الاقتراب من ممكن هذا التشكيل يحيل هلى حقيقتبن الاكيد انهما حاضرتين عند المعنيبن بهذا الصداع :
الحقيقة الاولى ان الكتلة الممثلة لما بسمي بالتيار تاثوري هو “مجرد” تجمع لشنات غير متجانس بهوية ساسبة سائلة وغير ملموسه الا بدالة الانشداد لخطاب ثورجي مراههق وطريف احيانا وعنيف ومقلق في اخرى لانه غير معني وليس من والوارد عنده الانتباه خط الفصل بين الحقيقة والمصلحة جوهر الخطاب السياسي ومناط شرعيته. فكتلة ائئتلاف الكرامة قد تفيد كميا في تزكية الحكومة ولكن حتما ستكون رصاصة مقتل تلك الحكومة اذا كان الائئتلاف من مكوناتها، بل وسيقدم الخاسرون من العملية السياسية واذرعتهم الاعلامية الحكومة القادمة على انها حكومة روابط حماية الثورة وليستحكومة النهضة مهما كان حجم تمثيليتها. و لعل اسراع اتحاد الشغل بالاعلان عن معاوضته الشديده لهذا التحالف الحكومي الممكن ليس سوى رسالة تحذير اولى من “دولة النقتبة” لمونبايزير من استتباعات هذا الخيار علي مستقبل العملية السياسية.
الحقيقة الثانية ان كتلة وعبو وكتلة حزب الشعب من المستبعد ان تشارك النهضة في الحكومه القادمة، واذا قبلت فستكون بتنازلات تفرغ معنى فوز النهضة بالانتخابات، ولن تحقق لها مرغوبها في استقرار الفريق الحكومي، لان حزب التيار وحزب الشعب لا تأثير لهما في كبح جيوب المعارضة المعادية لوجود النهضة في مجتمع وقيادتها للبلاد. فالضرورة السياسية الني دفعت النهضة لتوافق مع المنظومة القديمة وتدفعها اايوم للبحث عن شركاء الحكم تبدو بدون معنى وبدون مشروعية وظيفية اذا كان مرادها توفير مناخ عمل طبيعي للفريق الحكومي القادم.
يبقى امام النهضة خيار حزب الشاهد الذي يبدو ان سقف شروطه سيكون عاليا ومداره تعميد رئيس الحكومة الحالي في مكانه، دوهذا اذا استحضرنا رسالة الناخب العقابية للنخب التي ادارت المرحلة السابقة سيكون اعتداءا فاحشا على ارادة الناخب التي رشحت النهضة للبحث عن الجديد.
صداع التشكيل الحكومي سيكون الامتحان الاخير للنهضة بصفة اولي وللفائزين بتوكيل الناخب ثانية اذا انبتبهنا الى “الحقيقة التاريخية المره” المتصلة ببقاء تونس ما بعد الثورة في منطقة بينية سائلة ومتهارجه تنجاذبها ارادة القديم في تأبيد معادلات تقسيم الثروه والسلطة، وبين رغبة تونس الجديدة في حسم معركتها مع القديم واعادة ترتيب معادلات موازين القوة الرمزية والمادية في أفق دولة الحداثة السياسية والعدالة الاجتماعية.
نتائج المحطة التشريعية توحي بأن تونس القديمة قد خسرت طريق الصندوق لاعادة انتاج نفسها، وهذه الحقيقة لا تنهي الصراع معها بل تحوله الى خارج مربعاته الطببعية، التي حرصت تنازلات النهضة وخطها التوافقي على حصرها في أرضية المنجزالدستوري وبأدواته المدنية.
كل مؤشرات اللحظة الانتخابية تفتح على تحرير رغبة تونس القديمة في الانفكاك من ورطة الصراع في مربع الشرعية الدستورية وعلي ارضية المنجز الديمقراطي.
بما يرجح عندنا عودة البلاد الى  مربع مجهول التهارج حول سؤال الديمقراطية ومنجز الثورة نفسه خاصة استحضرنا تطورات الوضع الاقليمي  .
النهضة تبدو اليوم في ورطة سياسية مركبة حد التعقيد ومفتوحة على كل الاحتمالات، واسوأها ما يحيل على ممكن نهاية النهضة نفسها في دوامة المقبولية والقدرة على الحكم التي شطبها من البداية قانون انتخابي بائس وظيفته الأساسية استحالة الحكم برافعة الحجم التمثيلي ،اي بالنهاية ضرب جوهر الديمقراطية التمثيلية. واذا اظفنا لهذا ضعف المقبولية الداخلية والخارجية للنهضة بصفتها الايديولوجية يسهل علينا القول ان الحل الاقل كلفة للجميع هو العودة من جديد للمقامرة بالعودة للناخب.
وتلك مصيبة اخرى…
 
 
 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP