الجديد

خالد شوكات

كورونا وبداية موسم الهجرة إلى الجنوب

خالد شوكات

اعتقد ان سكّان الجزر النائية، تلك الضائعة في المحيطات، كتونغا وفاناتو والفصح، وحتّى جزر فيجي وسليمان والقمر وموريشيوس وغيرها، هم أسعد النّاس في المعمورة اليوم، ولعلّهم سيكتفون بالسمك الذي يصطادونه من البحار القريبة والأرز الذي يزرعونه في مستنقاعاتهم..

لا حاجة لهم بالطائرات التي تنتجها الولايات المتحدة أو الروبوتات التي تنتجها اليابان أو التلفزيونات التي تصنّعها كوريا الجنوبية أو الدبّابات التي تصدّرها روسيا أو حتّى الأدوية التي تبيعها أوربا، وخصوصا البضائع التي ترسلها الصين.. بل حتّى بترول الخليج ..

المهم أن لا يصلهم شيء قد تعلق كورونا واحدة في أهدابه.. ولست أدري على وجه التحديد، ان كانت إيطاليا أو فرنسا أو اسبانيا، ما تزال قواتها البحرية ودورياتها لحرس الحدود، تجري جولات حراسة لسواحلها حتّى تمنع المتسللين إليها والمهاجرين السريين طلبا لجنّتها..الغالب أنها كفّت منذ أسابيع عن ذلك لأنَّ الكورونا عاثت في الجنّة الأوربية فسادا حتّى حولتها الى ما يشبه جنّهم..

ومن الصعب ان نتخيّل شبابا يجازف بارواحه طلبا لجهنّم.. هكذا قلب هذا الفيروس معادلات ثابتة اعتقدنا لوهلة انه من المستحيل قلبها.. حقيقة أمام عجز الثورات التكنولوجية الخارقة وقفزات التقدّم الخرافية عن مواجهة كيان مجهري شلّ حركة الطيران العالمية وحوّل جيوش أكثر الدول تقدّما الى عسكر “كردونة” مهمتهم نقل الجثامين الى المقابر،

لم أعد قادرًا على الانبهار بشيء، لا قوّة امريكا الخارقة ولا رهبة القيصر الروسي ولا خروج المارد الصيني من قمقمه ولا اي شيء من عنتريات الشعوب المتقدّمة الزائفة..لا شيء تقريبا عاد يملأ العين.. كورونا (أقلّ من جناح بعوضة) دفع اعظم دول العالم الى سجن شعوبها والى التواضع والانحناء..

ولم تجد هذه الدول حلّا غير ذلك.. حكام وملوك ورؤساء ووزراء وأمراء ..أخذهم الفيروس على حين غرّة.. بكى بعضهم وعزل بعضهم نفسه وانتحر بعضهم والبعض الاخر لا يدري ماذا يفعل.. أهناك أبلغ من هذا المشهد في الدلالة على ضعف الانسان وهوانه أمام جبروت الطبيعة.. أفكّرُ أيضا كيف قلبت الكورونا معادلة الأغنياء.. الأغنياء الذين لا وطن لهم عادة.. وطنهم أموالهم..

اليوم في نيويورك وغدا في لندن او باريس.. ثم يأخذون الطائرة من هناك الى طوكيو او شنغهاي او سنغافورة..لا شيء من ذاك.. لديكم الأموال ايها الرأسماليون لكنّكم لن تتمكنوا من الفرار.. الفيروس يلاحقهم.. وربما من عدالة كورونا ان يطلب إيطاليون او امريكيون اللجوء في الصومال.. لأن الفيروس لم يستطع دخول الصومال..أو تسلل اليها لكنّهُ عاجز ان يفعل فيها ما فعله بإيطاليا او فرنسا او اسبانيا..

ثمّةَ شيء واحد افكر فيه بعمق.. لم أعد مشغولا كثيرا بالقفزات التقنية.. ما يؤرقني اكثر هو الأمن القومي الغذائي.. اذا كان في بلدنا ما يكفي من الحبوب والخضروات والزيت والحليب، فهذا هو سلاحنا الاول اذا ما حدثت جوائح من هذا النوع او من اي نوع جديد تكون معه التكنولوجيا عاجزة حائرة.. وحتى ان أفلحت هذه المرة في إيجاد حل لفيروس الكورونا، فقد سقطت من عيني هذه التكنولوجيا المغرورة..

وقف الانسان عاجزا أمام اختبار صغير وتافه.. تخيلوا انه من هنا فصاعدا سيكون على البشرية ان تسجن نفسها اسابيعا وتوقف الحياة لمجرّد حرب مع فيروس، فماذا سيكون الوضع يا ترى لو تعلق الامر بفيروسات بالجملة قررت التحرّك في آن.. خلاصة القول.. الناس اليوم يكتشفون فضائل الفقر وقلّة التواصل مع الآخرين والعجز عن صناعة التقدّم.. وان فكّروا في الهجرة فإلى الجنوب لا الى الشمال كما كانوا يفعلون..الشمال ليس بمنأى وهو قابل للعجز وقلة الحيلة..

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP