الحبيب بورقيبة .. الزعيم السياسي و صاحب المشروع المجتمعي
هشام الحاجي
تعيدنا ذكرى وفاة أول رئيس للجمهورية التونسية الزعيم الحبيب بورقيبة إلى ما أخذ يتأكد من أن بورقيبة هو الشخصية المحورية في بناء تونس الحديثة و أن دوره تجاوز الجانب السياسي على أهميته ليلامس المجال المجتمعي برمته.
بعيدا عن منطق التمركز حول الأشخاص أو الوقوع في فخ القراءات التقديسية او التبخيسية للرجل فإن القراءة الهادئة للاجتماع البشري تثبت أن المجتمعات عرفت في تاريخها شخصيات استثنائية و أن الحبيب بورقيبة هو من الشخصيات الاستثنائية في مسار المجتمع التونسي.
كان الحبيب بورقيبة ابن عصره و بيئته بكل تأكيد و استفاد من السياق المجتمعي الذي انخرط من خلاله في العمل السياسي إذ أدرك أن منعرج عشرينات القرن الماضي تفرض إحداث قطيعة مع “الشيوخ ” و منح الصدارة لجيل “الشباب ” و أنه من الضروري أيضا أن يرتبط النضال ضد الاستعمار برؤية للتاريخ الذي كان شغف الحبيب بورقيبة.
و بقدر ما ساير بورقيبة التاريخ من خلال البحث عن مكان فيه له و لشعبه بقدر ما أحسن ” السير عكس تياره ” في بعض الأحيان . لقد عارض دعوات سفور المرأة زمن الاستعمار قبل أن يتحول نزع “السفساري و الحجاب ” الى واحد من الإنجازات التي حرص على تحقيقها زمن الاستقلال.
لعب الحبيب بورقيبة لعب دورا حاسما في بناء الهندسة الاجتماعية للمجتمع التونسي بعد الاستقلال من خلال تغيير وضعية المرأة و تعميم التعليم و الانتصار للدولة الاجتماعية الراعية.
لم تكن الخيارات التي اعتمدها خارج الاختيارات السائدة في العالم و لكن الحبيب بورقيبة “تونسها ” و من الأشياء اللافتة ان الحبيب بورقيبة قد أثر في أهم المنعرجات السياسية التي عرفتها تونس في حياته و إثر مماته.
فقد لعب دورا متقدما في مقاومة الاستعمار الفرنسي و في “تحديد ” لحظة الاستقلال من خلال توجهه لمفاوضات الاستقلال الذاتي. و لولا تمسكه برئاسة مدى الحياة لما غادر الحكم يوم 7 نوفمبر 1987 بتلك الطريقة التي شكلت منعرجا سياسيا في تاريخ تونس.
و قد لعب الحبيب بورقيبة بعد رحيله دورا خفيا في ضرب شرعية نظام الرئيس زين العابدين بن علي من خلال عودة الحديث عنه من باب المقارنة في الندوات العلمية و في بعض المؤلفات التي من بينها كتاب الباجي قائد السبسي “الحبيب بورقيبة الأهم و المهم ” الذي كان المدخل الذي عاد منه الباجي قائد السبسي للمشهد السياسي.
بعد 14جانفي 2011 لعب الحبيب بورقيبة دورا في كبح جماح الساعين لإقامة دولة دينية و ساهم في حماية مكاسب المرأة و المجتمع بل “فرض ” على أشد معارضيه شراسة إعادة تقييم منجزه و “الاعتراف ” بصواب ما حرص على إنجازه في ما يتعلق بطبيعة الدولة و التوجه المجتمعي.
و من المفارقات أن معارضي الحبيب بورقيبة قد ورثوا أيضا بعض سلبياته كرفض فكرة التداول على المسؤوليات و مركزة القرار و احتكار المشهد الحزبي و إبعاد كل شخصية “تهدد” موقع الزعيم إلى جانب تغليب المحسوبية و الاعتبارات الجهوية و المناطقية في اختيار المسؤولين .
ظل الحبيب بورقيبة حاضرا بقوة لأنه أكثر السياسيين التونسيين إنجازا و لأنه كان نموذجا في الاتصال و التواصل دون أن يتلقى في ذلك دروسا من أحد و لأنه تفاعل مع إيجابيات الشخصية القاعدية التونسية بما فيها من إيجابيات وسلبيات فتأثر بها و أثر فيها و هو ما يجعله حاضرا بدرجات متفاوتة و بمشاعر متناقضة في وجدان كل تونسي و تونسية.
Comments