الجديد

شوقي الطبيب : “شبهة الفساد في الكمامات أضرت بسمعة مسؤولين كبار ورجال أعمال وتحولت الى قضية رأي عام”  

*** الكشف عن شبهة فساد في ما أصبح يعرف بقضية الكمامات أزعجت مسؤولين كبار ورجال أعمال وتحولت الى قضية رأي عام

*** كان من الأجدر ولحسن احترام الدستور عرض مشاريع المراسيم على الهيئة لإبداء رأيها

*** تتلقى الهيئة سنويا بمعدل اكثر من عشرة الاف ملف تقصي

*** استجابة الإدارة العمومية للهيئة  تبقى دون المأمول ودون امال الهيئة وهناك بطء  قضائي في التعاطي مع ملفات الفساد

*** مقاومة الفساد وتنزيله على ارض الواقع يتطلب إرادة سياسية حاسمة وقاطعة لا الاقتصار على الشعارات

*** مهنة المحاماة تحتاج الى مراجعات عديدة حتى تتمكن من مواصلة الاضطلاع بدورها الوطني والحقوقي

*** الطريق الى استقلاليته حسب رايي لا تزال طويلة وتشوبها عدة مصاعب بعضها داخلي وبعضها خارجي

 

حوار: هشام الحاجي

تقوم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد برئاسة العميد شوقي الطبيب بدور مهم في مقاومة الفساد الذي يجمع الكثير من المتابعين الى أنه قد تحول خلال السنوات الأخيرة الى ظاهرة و “سرطان” تفشى في جسم المجتمع والدولة . وكان للفساد تأثير سلبي على التمية الاجتماعية والاقتصادية، خصوصا وأن انتشار هذه الظاهرة قد انعكس مباشرة  على نسبة النمو في البلاد.

متابعة لهذه الظاهرة المزعجة والمربكة، ولنشاط الهيئة الذي عرف تصاعدا ونجاعة خلال فترة الحرب على الكورونا، وصل حد “الازعاج” على غرار ما حصل في ملف “الكمامات”، الذي كانت الهيئة وراء الكشف عن شبهة فساد تعلقت به، ليتحول الى قضية رأي عام وطني.

في هذا الاطار التقة موقع “التونسيون” العميد شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد .

و في ما يلي نص الحوار:

 

** – كيف تنظر كرئيس للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لملف الكمامات الطبية وما عرفه من تطورات؟

 

هذا الملف تعهدت به الهيئة منذ يوم 11 افريل الجاري مساءا وتحديدا منذ أن تم اشهار كراس الشروط الخاص باقتناء الـ30 مليون كمامة على موقعي وزارتي الصحة والصناعة.

وقد تلقينا في أقل من 24 ساعة في شأنه حوالي 11 تبليغ عن شبهات فساد أغلبها صادر عن صناعيين في مجالات الحياكة والنسيج، باشرنا على اثرها أعمال التقصي مباشرة وللغرض استمعنا الى عشرات المبلغين والشهود والخبراء واطلعنا على وثائق هامة بعضها رسمي وبعضها الاخر ذا صبغة فنية.

وبالتوازي خرج الملف الى الاعلام واخذ ابعادا كبيرة وتحول إلى قضية راي العام بامتياز بحكم ان الامر يهم صحة وجيوب التونسيين مما احرج الأطراف التي طالتها أصابع النقد والاتهام فرات نفسها مضطرة للخروج إعلاميا والدفاع عن نفسها او تبرير مواقفها غير انها لم تزد بذلك سوى في تأجيج نار الشك والريبة في ملف حارق من اصله.

أقول هذا لأن البعض سيما داخل الحكومة لامنا وكأننا كهيئة وراء حجم التعاطي الإعلامي الكبير الذي رافق الملف مما أضر بسمعة موظفين كبار داخل الدولة ورجال اعمال في حين أننا قمنا بما يستوجبه دورنا وفقا للاطار القانوني الذي نعمل فيه.

وعلى العموم انا أنظر للأمر من زاوية إيجابية بحكم أنه وبقطع النظر عن المآلات القضائية او حتى السياسية لهذا الملف فانه أبرز بصورة جلية أن مؤسسات “الجمهورية الثانية” تعمل بطريقة سليمة اذ تحمل الجميع  مسؤولياتهم سواء الاعلام او هيئات الرقابة او القضاء او نحن على مستوى الهيئة.

 

** – اعتبر بعض المتابعين ان “احتجاجكم ” على عدم استشارة الهيئة في ما يتعلق بالمراسيم التي تصدرها الحكومة موقفا له ابعاد سياسية ترتبط بموقف من الحكومة اكثر مما هو تعبير عن موقف قانوني فما هو تعليقك؟

موقفنا كان قانونيا خالصا بحكم أن الفصل 130من الدستور قد نصّ على الاستشارة الوجوبية للهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد في مشاريع القوانين (المراسيم) التي تدخل في مجال اختصاصها، وكذلك المرسوم الاطاري 120 الذي يوجب على السلط استشارة الهيئة في كل ما يتعلق بمجال اختصاصها المتعلق بمكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص وإرساء قواعد الحوكمة الرشيدة، ومن ذلك إبداء الرأي في مشاريع النصوص القانونية والترتيبية ذات العلاقة بمكافحة الفساد.

ونظرا لكون القانون المتعلق بتفويض الاختصاص لإصدار المراسيم قد أتى على مجالات تهم في جلها بصفة مباشرة أو غير مباشرة مجال مكافحة الفساد والحوكمة الرشيدة (مقاومة الاحتكار، المنافسة واﻷسعار، الشراءات العمومية الخ…)، فإنه كان من الأجدر ولحسن احترام الدستور عرض مشاريع المراسيم على الهيئة لإبداء رأيها خاصة بعد التجربة التي اكتسبتها في الميدان، وخصوصا في التصدي للفساد والاحتكار والمضاربة ورصد التجاوزات في المدّة الأخيرة منذ إنتشار وباء كورونا.

 

** – هذا يجر الى امر اخر و هو ايحاء بعض المتابعين بان مواقف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قد اصبحت محكومة في المدة الاخيرة بعلاقة “ذاتية ” متوترة بين رئيسها و احد اعضاء الحكومة و هو السيد محمد عبو فما هي خفايا هذا التوتر و الى اي حد يؤثر على مواقف الهيئة و ما هي علاقة الهيئة مع حكومة الياس الفخفاخ ؟

 

أولا : على المستوى الشخصي والإنساني محمد عبو اخ وصديق وزميل في المحاماة جمعتنا سنوات من النضال ضد الاستبداد والدفاع عن كرامة المحاماة وعلاقاتنا حاليا أبعد ما تكون عن التوتر بل على العكس أنا شخصيا أتوسم فيه كل الخير بعلاقة بملف الحوكمة ومكافحة الفساد.

ثانيا: فيما يتعلق بالعلاقة مع الحكومة الحالية هي عادية ونحن بانتظار عودة الحياة الى طبيعتها لإعادة تفعيل اتفاقيات الشراكة والتعاون الممضاة مع مختلف الوزارات حتى تستعيد فرق العمل المشتركة نشاطها بصفة عادية كما أنه ليس بإمكاننا اليوم تقييم عمل الحكومة الحالية نظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد وتوجه كل الجهود نحو التصدي لجائحة كورونا وتخفيف تداعياتها.

 

** – هناك بطء حسب الكثيرين في الفصل في الملفات التي تتعهد بها الهيئة ما هي اسباب هذا البطء وما هي حسب رأيك سبل القضاء على هذا البطء ؟

 

تتلقى الهيئة سنويا بمعدل اكثر من عشرة الاف ملف تقصي بالإضافة الى مهامها المرتبطة بالحوكمة ونشر ثقافة مكافحة الفساد وحماية المبلغين وتلقي التصاريح بالمكاسب والمصالح وهي مهام لا تقل أهمية عن ملفات التقصي.

وكل هذه المهام تتطلب مجهودات استثنائية رغم تواضع الإمكانيات المادية المرصودة للهيئة.

وان كانت الهيئة تعتبر ان الحلقة المركزية في نشاطها مرتبطة بملفات التقصي عن شبهات الفساد فان اعمال التحري والتقصي فيها مرتبطة بجهات أخرى منها الجهات الإدارية الموكول لها بالقانون إجابة الهيئة وتقديم ما لديها من معطيات وبيانات حول الشبهات المثارة ضرورة ان استكمال اعمال البحث في الملفات يقتضي تفاعل إيجابي وفي انسب وقت من قبل الإدارة العمومية وهذا المعطى يبقى دون امال الهيئة التي تضطر في اغلب الحالات إلى توجيه مراسلات عديدة للحصول على المعطيات المطلوبة.

كما أن الهيئة لا تكتفي بإنتظار الردود وتباشر أعمالها من خلال الإستعانة ببعض الجهات الأخرى مثل سماع الشهود والخبراء حتى تتمكن من استكمال الأبحاث وإحالة ما توفر لديها إلى الجهات الإدارية والقضائية عند الإقتضاء.

وفي رايي فان ملف البطء القضائي في التعاطي مع ملفات الفساد يتطلب معالجة سريعة وضرورية تبدا عبر الوقوف على أسبابه كالاطار التشريعي والمؤسساتي المعطل والموروث في مجمله عن الحقبة الاستعمارية او بعلاقة بالنقص الفادح في الإمكانيات الذي تعاني منه السلطة القضائية وهذا كله نتج عنه ان معدل فصل ملف امام القضاء التونسي مدته تتراوح بين الخمس والعشر سنوات وهو امر غير مقبول ولا معقول.

 

** – كيف تنظر لمستقبل مكافحة الفساد في تونس ؟ و ما هي اقتراحاتك لتطوير اسهام مكافحة الفساد في المجالات السياسية و الاقتصادية ؟

 

يجب الإقرار بان الحوكمة ومكافحة الفساد هو خيار استراتيجي من الحكمة ان تتبناه كل الدول والمجتمعات التي تعاني من ارث سلبي حتى تتمكن من تفكيك منظومة الفساد وتقديم الضالعين فيه الى العدالة.

ولئن رفعت العديد من الحكومات المتعاقبة ملف مكافحة الفساد كشعار فان تفعيله وتنزيله على ارض الواقع يتطلب إرادة سياسية حاسمة وقاطعة مقترنة بتدابير وإجراءات واقعية وعملية. ونحن واعون بان التغييرات الحاصلة على مستوى اعلى هرم السلط إشارة إيجابية لحلحلة ملف مكافحة الفساد واعطائه بعده الرسمي والمؤسسي والمجتمعي والمواطني حتى يقع تبنيه كخيار ضروري للتنمية والإنقاذ.

ويتجه في تقديرنا المباشرة بإدخال الإصلاحات التشريعية الضرورية على المنظومة القانونية لمكافحة الفساد واعتبارها من أولويات الحكومة وضخ الإمكانيات اللازمة للهيئة ومختلف السلط والمؤسسات ذات الصلة للقيام بالمهام الموكول لها على انسب وجه كاعتماد مقاربة تشاركية تتجند فيه كل الهيئات والمؤسسات المعنية بالحوكمة ومكافخة الفساد و تنفيذ بنود الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي شرعنا في إنجازها منذ ديسمبر 2016.

 

** – توليت رئاسة الجمعية التونسية للمحامين الشبان و عمادة الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين و هو ما يدفعنا لان نعرف رايك في واقع القضاء التونسي عموما و ايضا مهنة المحاماة و ما هي تصوراتك لتطوير القضاء و كذلك المحاماة  ؟

بصفتي محام كانت لدي تجربة بالمكتب التنفيذي للجمعية كما توليت رئاستها وكذلك كانت لي تجربة بالهياكل المهنية للمحاماة على الصعيد الدولي عبر رئاسة المنظمة العربية للمحامين الشباب وتقلدت منصب عميد المحامين وأقدر وافتخر بالدور المركزي الذي لعبته المحاماة التونسية سواء صلب الحركة الوطنية ثم في مرحلة بناء الدولة الحديثة أو مقاومة الإستبداد أو تصحيح المسار وبناء المؤسسات الديمقراطية  وقد توجت هذه المكانة بدسترة المحاماة بدستور الجمهورية التونسية.

غير أن هذا لا يجب أن يحجب عنا أن هذه المهنة الشريفة والمشرفة تحتاج الى مراجعات عديدة حتى تتمكن من مواصلة الاضطلاع بدورها الوطني والحقوقي ومواكبة متطلبات العصر واحتياجات المنتسبين اليها في آن واحد عبر الاضطلاع بدور أكبر على الصعيد الاقتصادي.

فيما يتعلق بالقضاء فانه وعلى الرغم المجهودات التي ما انفك يبذلها القضاء التونسي لانتزاع وتأكيد استقلاليته فان الطريق حسب رايي لا تزال طويلة وتشوبها عدة مصاعب بعضها داخلي وبعضها خارجي تحركها مصالح نافذة ترى في استقلالية السلطة القضائية تهديدا جديا لمصالحها…على القضاء كذلك أن يكسب معركة القة المهزوزة لدى التونسيين فيه لعدة أسباب لعل أهمها ما تعرضنا اليه من طول نشر القضايا والتعامل المحتشم لهياكله مع ملفات الفساد او وضعيات تضارب المصالح التي تظهر من حين للآخر وتهم البعض من القضاة.

وانطلاقا من هذه المعطيات نعتبر أن إصلاح القضاء هو شأن وطني بإمتياز يتطلب تشخيص واقعي لنقائص هذا المرفق وبلورة إصلاح حقيقي له عنوانه الرئيسي الشفافية والمسؤولية دون ان نهمل ضرورة رقمنة العدالة وتعصير الإدارة والقيام بالإنتدابات الضرورية وتوفير كل الوسائل ومتطلبات عمل السادة القضاة حتى تتمكن هذه السلطة من ممارسة مهامها بكل استقلالية ومسؤولية وعندها يمكن انتظار أعمال وقرارات في مستوى انتظارات الشعب التونسي.

 

من هو شوقي الطبيب:

شوقي الطبيب من مواليد 28 ديسمبر 1963 بسبيطلة, متزوج وأب لطفل. متحصل على شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة وعلى شهادة الماجستير في العلوم السياسية من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس. محام و عميد سابق للهيئة الوطنية للمحامين التونسيين (2012-2013) شغل سابقا منصب رئيس الجمعية التونسية للمحامين الشبان. هو أيضاً مؤسس ورئيس الرابطة التونسية للمواطنة منذ ماي 2011.  على الصعيد الدولي تولى رئاسة المنظمة العربية للمحامين الشباب. شارك شوقي الطبيب في تأليف كتاب “صحافيون تونسيون في مواجهة الدكتاتورية : ثلاث وعشرون سنة من القمع والتضليل” سنة 2013. ويتولى العميد شوقي الطبيب منذ جانفي 2016 رئاسة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP