الجديد

المشهد التونسي اليوم: أزمة اقتصادية، توتر اجتماعي وغموض سياسي

كتب: منذر بالضيافي
يتسم المشهد التونسي، عشية الاحتفاء بالذكري الثامنة لثورة 14 جانفي 2011، بتواصل صعوبات فترات الانتقال الديمقراطي، فضلا عن عجز الحكومات المتتالية، على وضع البلد على سكة الاقلاع، بل على خلاف ذلك نلاحظ أن مظاهر التواصل مع سياسات ومنهجية الحكم التي سادت ما قبل الثورة، أكثر وأبرز من مظاهر القطيعة.
من ذلك تواصل حالة الانهيار الاقتصادي، الذي أصبح ينذر بتصاعد الحراك الاحتجاجي، خاصة بعد توتر العلاقة بين المركزية النقابية والحكومة، ما نجم عنه اعلان اضراب عام في الوظيفة العمومية (22 نوفمبر الجاري)، يتوقع أن يكون بداية لسلسلة من التحركات العمالية خلال الفترة القادمة، وفق ما صرح به الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نورالدين الطبوبي.
كما فشل الائتلاف الحاكم المنبثق عن انتخابات 2014، في تأمين الانتظارات والوعود، التي جاء من أجلها للحكم، بل نلاحظ أنه قد تفكك، وتحول أحد أضلاعه الى المعارضة (حزب نداء تونس) ما جعل البلاد تعيش أزمة سياسية، جعلت الساحة السياسية تغلب عليها حالة من “الغموض”، في ظل وجود صراع نقدر أنه أخذ منحى “المواجهة الصامتة” بين رأسي السلطة التنفيذية، بين رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، ورئيس الحكومة، يوسف الشاهد.
ومثلما كان متوقعا، فان التحوير الحكومي الأخير، الذي أعلن عنه رئيس الحكومة في 5 نوفمبر الجاري، وبرغم أنه حظي بمساندة أغلبية برلمانية، الا أنه لم ينهي الأزمة السياسية، التي دخلت البلاد في أتونه، منذ أكثر من نصف سنة، وساهمت في ارباك مؤسسات الحكم، لتتحول العلاقة ما بينها الى ما يشبه “القطيعة”.
هناك ما يشبه الاجماع اليوم، على أن تونس تعيش أزمة شاملة ومركبة، يتداخل فيها الانهيار الاقتصادي بمخاطر «الانفجار» الاجتماعي، فضلا عن وجود أزمة سياسية مفتوحة، خاصة في ظل استمرار “التوتر” في العلاقة بين قرطاج والقصبة.
وضع مربك دخل معه «الانتقال الديمقراطي» في حالة «موت سريري» على اعتبار وأن الديمقراطية لا يجب أن تختزل في بعدها الشكلي ، المتمثل في تنظيم استحقاقات انتخابية دورية، على أهمية هذا البعد الشكلي، يجري ذلك في تزامن مع استمرار ضعف الدولة، التي تراجعت سلطتها وأصبحت مهددة بـ”التفكك”، هذا دون أن ننسى تواصل مخاطر الإرهاب، في محيط إقليمي ودولي سمته الأساسية “الاضطراب”.
كشف الاضراب العام الأخير في قطاع الوظيفة العمومية،  أن الوضع الحالي في البلاد لا يمكن أن يستمر، خاصة بعد تدهور المقدرة الشرائية، وتآكل الطبقة الوسطى، التي هي ضامنة لكل استقرار سياسي واجتماعي، في هذا السياق، قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، في تصريح إعلامي لافت: «إن البلاد اليوم في حافة الانهيار، إذا تواصل نسق الفشل، وإن المواطن اليوم صار يعيش ظروفا اقتصادية صعبة، في ظل تدني مستوى التعليم العمومي، وانهيار الخدمات الصحية، وارتفاع الأسعار وانهيار قيمة الدينار».
يأتي مثل هذا التصريح، بعد دخول البلاد في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تنذر بمخاطر الانزلاق نحو إعلان عجز في “المالية العمومية”.
تدهور كبير وصفه الخبراء في الاقتصاد بـ”الخطير”، بعد تراجع كل المؤشرات الاقتصادية، وضع رمى بظلاله على المشهد السياسي، من خلال تداعي جل الفاعلين السياسيين، إلى تحميل مسؤولية الفشل إلى المنظومة الحاكمة،
الفشل الاقتصادي لا يجب أن يحجب عن كون أصل الأزمة في تونس اليوم هو “سياسي بامتياز”، وفق تقديرات المراقبين في الداخل وأيضا في الخارج، وكذلك مراكز البحث التي تتحدث عن “سوء إدارة سياسية للوضع الاقتصادي”.
هناك أزمة في منظومة الحكم الحالية وبالذات أزمة حزبيها الكبيرين، حزب نداء تونس الذي تفككت هياكله وانقسمت كتلته البرلمانية ورحل أزمته إلى مؤسسات الحكم، هذا الحزب الذي فاز بالانتخابات دون أن يكون له برنامج حكم وتشتتت هياكله وقياداته في امتحان توزيع مغانم السلطة.
و كذلك حركة النهضة الإسلامي الذي خرج منهكا من تجربة الحكم الأولى (2011-2014)، ويعيش هاجس الخوف من العزل في علاقة بتراجع حركات الإسلام السياسي، التي جاءت بعد ثورات “الربيع العربي”، وكذلك بعد ضعف المحور الإقليمي الداعم لهذا التيار فضلا عن وجود رفض كبير من النخب ومن فئات مجتمعية واسعة لمشروع الإسلاميين الذي يتناقض مع النمط المجتمعي التونسي العصري.
برغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، وهشاشة التجربة والخوف من انحرافها، فإن هناك إجماعا من قبل الفاعلين في الحياة السياسية، في السلطة والمعارضة على حد السواء، إجماع على ضرورة حماية مسار الانتقال الديمقراطي.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP