الجديد

في خطاب المعايدة: الرئيس “غاضب” و “يطلق النار على الجميع”

هشام الحاجي

لم تأت الكلمة التي توجه بها رئيس الجمهورية قيس سعيد للشعب التونسي بمناسبة عيد الفطر بتجديد كبير من الناحية المضمونية مقارنة بالكلمات التي توجه بها قيس سعيد منذ دخوله قصر قرطاج.

ذلك أن الكلمة قامت كالعادة على ما يمكن اعتباره تجاذبا فكريا و وجدانيا يعيشه صاحب شعار “الشعب يريد” بين وضعية المترشح للانتخابات الرئاسية الذي يتوسل إلى خطاب التحشيد و “التحريض” على “المنافسين” و وضعية رئيس الجمهورية المسؤول عن رسم السياسات في عدة مجالات و المعني بالإنجاز و المكلف بنص الدستور بمجالات و ملفات هامة.

خضعت كل كلمة الرئيس قيس سعيد إلى هذا التجاذب بل إن “سعيد المترشح للانتخابات ” قد هزم “سعيد الرئيس ” و “أجبره” على أن يغادر بسرعة منطق الإشادة بجهود كل من ساهم في مجابهة الكورونا إلى منطق السجال الانتخابي و ” الوعيد السياسي ” .

هنا اتسعت دائرة الذين وجه لهم قيس سعيد أصابع الإشارة و الاتهام إلى أبعد حد و إن كان ما جمع بينهم ضمنيا و انطلاقا من بنية كلمته هو “شيطنتهم ” لأنهم ” اعتكفوا ” لا للعبادة أو العمل الصالح بل للعودة إلى الوراء او لأنهم “يهيؤون انفسهم لأنفسهم بما يحلمون ” و البعض الآخر “دأبهم النفاق و الرياء و الكذب و الافتراء ” و “هؤلاء في قلوبهم مرض” وكذلك توعد الذين “نهبوا” أموال الشعب. اشار ولمح للكل بلغة فيها الكثير من التوعد في مناسبة تعودنا على أنها تركز على الوحدة والتضامن، أطلق النار على الكل دون أن يسمي أحدا، في انتظار المرور  ل “الفعل” في قادم الأيام.

اعتماد قيس سعيد على التقابل بين الخير و الانصراف لخدمة المصلحة العامة التي يحتكرها لنفسه ضمنيا و “المرض” الذي يسكن نفوس الآخرين يستبطن رؤية حدية لا تقبل أنصاف الحلول للعمل السياسي و تفرض في نهاية الأمر الإختيار بين طريقين لا ثالث لهما و هما طريق ” الخير المطلق ” او طريق ” الشر المحض ” و هو ما يفتح الباب أمام إقحام العنف -تحت أي مسمى- إلى العمل السياسي.

و يمكن لتصور يرى أن ” الحرص على القيم الأخلاقية يأتي قبل الحرص على تطبيق القانون ” أن يكون مدخلا لما يمكن تصوره “ثورة ثقافية ” على الطريقة التونسية تمثل مدخلا لحرب يعلنها رئيس الجمهورية ضد الذين “يبرمون ” صفقات في الصباح و في المساء و يفتعلون ” القضايا الوهمية بأكثر مما يتصورون ”

من أكبر الإشكاليات التي تثيرها كلمات و خطب قيس سعيد أنها تفرد دائما مكانا كبيرا للمؤامرات و لكنها تبني التآمر دوما للمجهول و هو ما يخلق ارباكا لدى الرأي العام الذي يعتبر أن دور رئيس الجمهورية ليس الحديث عن المؤامرات بل تقديم معطيات حقيقية عنها حتى يطمئن المواطن و حتى يتأكد من أن رئيس الجمهورية و هو في الآن نفسه رئيس مجلس الأمن القومي قادر على حمايته و أنه خاصة قادر على التمييز بين الأخطار الحقيقية و تلك التي يضخمها البعض لإرباك وعي الرئيس و في توجيه سلوكه بطريقة سلبية عليه و على الوضع العام من خلال أسره في متاهة مؤامرات لا تنتهي.

كلمة قيس سعيد بمناسبة عيد الفطر أشارت إلى أن مأدبة الإفطار التي بادر بالدعوة إليها و جمعته برئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي و رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ قد كانت دون تأثير في إزالة التوتر بين “الرئاسات الثلاث ” إذ لم يشر قيس سعيد للحكومة و لم يثمن على جهودها في الفترة الأخيرة و في ذلك تأكيد لما تردد حول برود أخذ يتسرب إلى علاقة بين إلياس الفخفاخ ب”رئيسه” قيس سعيد و قد تكون جملة “يهيؤون انفسهم لأنفسهم بما يحلمون و بما يتوهمون ” رسالة عدم رضى عن مساعي إلياس الفخفاخ لتأسيس حزب لأن ذلك يضعف في نهاية الأمر وزن قيس سعيد في ما يسمى حاليا ” حكومة الرئيس “.

أما في ما يتعلق بالعلاقة مع رئيس النهضة ورئيس البرلمان  راشد الغنوشي فإن جملة الدولة “دولة واحدة و لها رئيس واحد في الداخل والخارج ” لا تحتمل التأويل و تدل على أن قيس سعيد قد ضاق ذرعا من تدخل راشد الغنوشي في السياسة الخارجية و أنه لن يصمت على ذلك و يبدو أن الخلاف بين الرجلين لن يقتصر على السياسة الخارجية فقط بل سيشمل ملفا شديد الحساسية و هو ملف المصالحة و استرجاع الأموال المنهوبة إذ يعكف ” الرئيسان ” كل من جانبه على إعداد مبادرتين في الغرض يبدو أنهما على طرفي نقيض و هو ما سيزيد في اتساع الهوة بينهما و أيضا في التأثير على الوضع العام في البلاد خاصة و أن كلاهما يبدو غير مستعد للتنازل أو التجاوز.

في المحصلة فإن كلمة رئيس الجمهورية التي بناها من الناحية اللغوية للمجهول فأخفى الجهات التي وجه لها رسائله و ردوده،  لا يمكن لها نظرا لما سيطر عليها من غموض و من رسائل “هجومية”،  أن تطمئن خاصة و قد غاب عنها الإشارة للحوار و فقدت ما يرتبط عادة بالعيد من إستعداد للتسامي و التجاوز و البحث عن نقاط الالتقاء و عن القواسم المشتركة، و هي مهمة منوطة بمقتضى الدستور برئيس الجمهورية الذي يجسد وحدة الدولة و تماسك الشعب.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP