الجديد

مجلس نواب الشعب

مجلس نواب الشعب .. هل هي عودة الوعي؟

خديجة زروق

صادق مجلس نواب الشعب، خلال  الأسبوع الفارط على قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني بأغلبية مريحة. قانون يأتي ليدعم قاطرة التمنية و يرفد القطاعين العام والخاص وليكون بابا مهما يُمكن صغار الباعثين والفلاحين والشباب من الانخراط في الدورة الاقتصادية والاستثمار وخلق الثروة. ويأتي هذا القانون الذي حلُمت به أجيال من المطالبين بالاقتصاد التضامني، وقوى المجتمع المدني وفي طليعتها الاتحاد العام التونسي للشغل، في سياق توجهات عالمية لدعم الاقتصاد التضامني، خاصة بعد المؤشرات السلبية التي يبدو ان جائحة كورونا ستقود إليها.

على أن الأهم من المصادقة على هذا القانون، هو “عودة” مجلس نواب الشعب للقيام بمهامه المنوطة به، وتحقيق تطلعات ناخبيه. إذ لا يخفى على الكثير من المتابعين ان مجلس نواب الشعب، انخرط منذ مدة غير قصيرة في “سباق محموم” للنزول إلى القاع، فيما عُرف بحرب اللوائح، وسط أجواء صاخبة من الصراع و السُّباب، قسمت المجلس وزادت في تشويه صورته.

وكان تقديم لائحة تتعلق بالدبلوماسية الخارجية من كتلة الدستوري الحرّ وأخرى تتعلق باعتذار فرنسا على استعمارها تونس قمة هذا الصراع، الذي غذته تصريحات غير موفقة من الكثير من النواب تعلّقت بالمس من كرامة بعضهم البعض، كالاتهام بالعمالة والإرهاب والفساد، وهو مشاهد عُرضت على شاشات التلفاز، فزادت في تشويه صورة المجلس وترذيلها، بل ومست من جوهر الديمقراطية بما هي سلوك موطني قائم على قيم الحرية وحق الاختلاف والتسامح واحترام الكرامة الإنسانية.

ورغم ما تخلّل الجلسة التي تمت فيها المُصادقة من تجاذبات فيما بات يُعرفُ بحرب “الصور” فإن مرور هذا القانون “الثوري” يُعيد الامل في انصراف المجلس للاهتمام بقضايا الشعب التونسي، بعيدا على الخطابات الشعبوية والمزايدات الايديولوجية. فالمجلس مطالب بالاهتمام بالتشريع وسن القوانين التي تُسهم في ترسيخ الديمقراطية واستكمال مؤسساتها وإصلاح منظوماتها السياسية والاقتصادية وحتى الجزائية.

مجلس نواب الشعب هو عَصَبُ الحياة السياسية في النظام السياسي التونسي، وهو مركز الشرعية الأصلي والمؤتمن على تطوير الحياة السياسية والحزبية. إذ ان مراسيم عديدة تمت صياغتها على عجل سنة 2011، مازالت تتحكم في المنظومة السياسية والحزبية وهو أمر في اعتقادنا يجب ان ينتهي. لذلك يتوجب على مجلس نواب الشعب سن قانون للأحزاب وآخر للجمعيات ومراجعة مرسوم تنظيم القطاع السمعي البصري، ثلاث قوانين سيُطوّر النظر فيها الحياة السياسية، وسيرتقي بالنقاش العام بين الفاعلين السياسيين والحزبيين و المجتمع المدني، ومن شأن ذلك تطوير المُشتركات وتجسير الخلافات بما يضمن ترسيخا للديمقراطية ولقيمها.

كما ان إعادة النظر في هذه المراسيم سيزيد من تطوير الحياة الديمقراطية من خلال تجنّب النقائص التي ظهرت من خلال الممارسة الفعلية في السنوات الأخيرة، كمسألة تمويل الأحزاب وديمقراطيتها الداخلية ودورها في تطوير القيم الكونية لحقوق الإنسان وعلاقتها بالجمعيات وبالتمويل الأجنبي.

عودة الوعي بدور البرلمان الفعلي بما هو السلطة الأصلية والمكلّف باستكمال “مهام الثورة” من خلال بناء منظوماتها التشريعية والقانونية و تركيز المحكمة الدستورية والهيئات الدستورية الأخرى مسألة مهمة، وهذه الفُرصة الايجابية التي حصّلها البرلمان في المصادقة على قانون الاقتصاد التضامني، يُمكن أن تدفع البرلمانيين على اختلاف كتلهم إلى النظر المشترك، لما يُفيد التونسيين في علاقة بالقوانين المتعلقة بالجوانب الاقتصادية كقانون الصرف ومقاومة التهرب أو دفع الاستثمار، و يُمكن للمجلس أن يكون القوة القادرة على طرح قضايا فعلية كالقانون الانتخابي، الذي هناك حاجة أكثر من ملحة لتعديله.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP