الجديد

الغنوشي يحاضر في روما حول النهضة و تجربة الانتقال الديمقراطي

تونس- التونسيون
بدعوة من وزارة الخارجية الإيطالية و مركز الدراسات للسياسات الدولية بإيطاليا حضر الأستاذ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسيّة في “منتدى روما للحوارات المتوسطية” في ندوة بعنوان “الهوية الإسلامية الجديدة: السياسة والعلوم والثقافة في عالم متعدّد” وألقى محاضرة تطرّق فيها إلى المتغيّرات التي يشهدها العالم بأكمله والعالم العربي خصوصا وإلى أهميّة قيم الحرية والإنفتاح ناهيك عن التجربة التونسية وما حقّقته من منجز ينظر له العالم بعين الإنبهار بعد الثورة.
أكد راشد الغنوشي في محاضرته أنّ حركة النهضة مشروعها ثابت في مرجعيته، منفتح على حاصل التجربة الإنسانية ومكاسبها، متفاعل مع بيئته ومع أهمّ الفاعلين فيها على قاعدة الاعتراف المتبادل والتعايش من أجل المصالح العامة للوطن والمواطن. مؤمنة بتعزيز حقوق المرأة و حماية مكاسبها و حماية حقوق الأقليات.
وفي نفس السياق تطرّق الغنوشي إلى أنه في ديسمبر 2010 أطلقت تونس شرارة الربيع العربي انتصرت إرادة الشعب التونسي يوم 14 جانفي 2011 في خلع الديكتاتورية وإطلاق مسار جديد لإعادة بناء نظام سياسي جديد يحقق أهداف ثورة الشباب والمهمشين في الحرية والكرامة والتنمية العادلة مشيرا إلى أن تونس تعيش منذ الثورة تجربة جديدة لا تزال فصولها متواصلة، تتوالى فيها التحديات، وتتراكم فيها الإنجازات والمكاسب وتُفتح فيها الآفاق.
وأضاف رئيس حركة النهضة أن المتابعون ينظرون للتجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي باعتبارها نموذجا ناجحا، رغم ما فيه من نقائص وتحديات منها خاصة تأخر الانتقال الاقتصادي. مؤكّدا أن من أهمّ ما ميّز التجربة التونسية تواصل العملية السياسية من خلال الحوار والتوافق والتعايش في الفضاء العام بين الإسلاميين وغيرهم من العائلات الفكرية والسياسية الأخرى. مشدّدا على أن الخلاف السياسي مازال يدار في الفضاء السياسي وتحت قبّة البرلمان بآليات ديمقراطية.
كما أشاد راشد الغنوشي بالدستور التونسي الجديد وقال أنه مثّل أساسا لبناء نظام سياسي جديد يقوم على مبادئ الديمقراطية منها التعددية والحرية والحقوق العامة والخاصة والمساواة في المواطنة بالاضافة إلى تكريس المساواة بين المرأة و الرجل و تعزيز حقوق المرأة و حقوق الأقليّات، معتبرا أن نجاح التجربة التونسية واستقرارها بشكل دائم رهين رسوخ الثقافة الديمقراطية، ومنها بالأساس التعايش بين المختلفين من خلال الاعتراف المتبادل وحسن إدارة الاختلاف بينهم.
رئيس حركة النهضة التونسية أبرز في محاضرته أيضا أن تونس تقدّمت أشواطا مهمة في مسار تحقيق الديمقراطية وبصدد بناء الكتلة التاريخية الضرورية للعبور نحو الاستقرار وتحقيق استحقاقات الثورة. مضيفا أن الكتلة التاريخية ، كما عبّر عنها أنطونيو غرامشي، تكون بطبيعتها متعدّدة الأطراف والخلفيّات، تجمع العائلات الفكرية والسياسية والقوى الاجتماعية الكبرى، كما تكون متوافقة رغم تعدّدها على أساليب ديمقراطية لإدارة الاختلاف والتداول السلمي على السلطة بحسب نتائج الصندوق، متخفّفة من الأيديولوجيا واستقطاباتها، وتتنافس في خدمة الوطن والمواطن من أجل إستكمال البناء الديمقراطي الراسخ.
من جهة أخرى أشار الغنوشي إلى أن التجربة التونسية لا تزال تقاوم من أجل محاصرة دعوات تأتيها من غلاة اليمين واليسار بالإقصاء والتهميش وبتأجيج الاحتقان الاجتماعي لتوفير مناخ لكراهية المخالف وشيطنته والتفكير في إقصائه بكل الوسائل. مشيرا إلى بعض الأطراف السياسية التي لا تزال تصرّ على عدم تبادل الاعتراف بالنهضة وعلى التعامل معها باعتبارها ملفا أمنيا وليست حزبا سياسيا وعمقا اجتماعيا وثقافيا وفاعلا وازنا في المشهد السياسي قاوم الاستبداد قبل الثورة ويساهم بعدها في بناء الجمهورية الثانية والدفاع عن الدولة من مواقع متقدّمة بشرعية انتخابية وشعبية واسعة راسخة ومتجددة وفي قيادة قاطرة المصالحة مع العائلة الدستورية التي تقبل بشرعية الثورة ودستورها ونظامها السياسي.
وأكّد راشد الغنوشي أن حركة النهضة ستبقى منحازة لتونس ومصالحها الكبرى وستواصل خدمة شعبها وتتعاون في ذلك مع غيرها من أجل بناء مشروع وطني جامع لا يقصي أحدا تلتئم على أرضيته كل المصالحات المطلوبة. مضيفا أن علاقات الحركة ستكون مفتوحة أمام كل الصيغ الممكنة للعمل المشترك مادمت تصبّ في خدمة المصلحة الوطنية وتساعد على بناء حالة وطنية مستقرة بعيدا عن عقلية الغالب والمغلوب أو الأغلبية والأقلية لأنّه لا أحد يخسر إذا نجحت تونس.
رئيس حركة النهضة التونسية أبرز في محاضرته أن مقاربة حركته تقوم على حاصل تجرتها وتجارب الآخرين وعلى إسهاماتها الفكريّة المتعدّدة وخاصة في مجال الفكر السياسي الديمقراطي. مضيفا أن حركة النهضة لا تقدّم نفسها باعتبارها مجرّد حزب يسعى للسلطة وممارسة الحكم فحسب، وإنّما هي تنطلق في ذلك من مشروع فكري تميّز بتعظيم قيمة الحرية في الإسلام وتأكيد مركزيتها باعتبارها مفتاح الفهم لنصوص الدين و الأساس في التعامل مع الآخر، إلى جانب تأصيل التوافق بين قيم الاسلام والديمقراطية في إطار ما عرّفته الحركة في مؤتمرها العاشر بالإسلام الديمقراطي.
و قال  الغنوشي  أن النهضة تعتبر أن التعددية جزء من مكونات طبيعة الحياة الإنسانية وأن المنتج الحضاري هو ثمرة للإجابة على سؤال كيف تدير المجتمعات البشرية اختلافاتها التي هو فطرة فيها، بما يوفّر للجميع مناخات حرية التعبير عن الذات والابداع بما يحقق في المحصّلة الفائدة للجميع. مضيفا أن حركة النهضة تعتبر الحضارة فضاءا حرّا، مفتوحا ومنفتحا تتعايش فيه الأفكار والعقائد المختلفة بعد أن تتوفر لها فيه كل الظروف المساعدة على الإنتاج والابداع. مشدّدا على أن كلّ مجتمعات الإسلام قبل عصر الاحطاط و الاغلاق كانت فضاءات حرّة استوعبت التعدد الديني والعرقي واللساني وأنتجت تجارب ناجحة في التعايش والعيش المشترك وإبداعا في العلوم والثقافة والعمارة وغيرها
ففي تاريخ الإسلام نجد العديد من الأمثلة لمدن التي كانت حافلة بالتعددية و العلوم و التجارة و الصناعات بدءا بالمدينة و بغداد و قرطبة و ساراييفو فنجد أكبر المعابد اليهودية في بلاد الإسلام كالغريبة في جربة و كنيسة القيامة في القدس و نجد المساجد و الكنائس و المعابد اليهودية جنبا لجنب.
فالنهضة أصّلت لفكرة الحرية و فكرة الديمقراطية، فالحرية تقود للإختلاف و التعدد و الديمقراطية هي الحل لإدارة هذه التعددية و تحقيق الاستقرار. ففي العالم العربي هناك أطروحتان، أطروحة ترى أن القوة هي التي تضمن الاستقرار مما أدّى إلى أنظمة ديكتاتورية و حروب أهلية و بلدان تغرق بالدماء. و في المقابل نجد الأطروحة التي ترى أن الاستقرار يتحقق بالديمقراطية التي تعترف بالإختلاف و تعترف بالحرية كمنطلق لتحقيق الوحدة. و هذا ما أّصلت له حركة النهضة في منهجها.
من هذا المنطلق ان نرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أمر إيجابي اذ يعترف بوحدة البشرية و قيمة الإنسان و نرى أيضا أن فكرة الأمم المتحدة هي فكرة إيجابية جمعت بين التعدد و الوحدة و إعترفت بالمساواة بين الدول لكنها لم تمضي إلى النهاية في هذه الفكرة فهناك تمييز بين الدول و بين المواطنين، لماذا نجد ان مليار و نصف من المسلمين غير ممثلين في مجلس الأمن ، لكنها تبقى فكرة إيجابية.
وفي ختام محاضرته شدّد رئيس حركة النهضة على أن العالم اليوم جديد
ومتعدّد تحتاج فيه الإنسانية إلى قيم التسامح والتعددية والتعايش والمساواة والاعتراف المتبادل ورفض الحروب العرقية والعنصرية والعداوة للمهاجرين وإلى التعاون الدولي وتخليق السياسة وإعادة الاعتبار للقيم. مبرزا أنه من بين أهم مشاكل عالم اليوم أن التقنيات قد تطورت فيه أكثر مما تطورت القيم والأخلاق الشيء الذي أوجد عالم وحدته التقنية كتكنولوجيات الاتصال و الانترنت و فرقته القيم، عالم فقر وعالم ثراء
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP