الجديد

القصرين بين مطرقة الارهاب وسندان التهميش

لقصرين تلك العروس الفاتنة تحتفل بجمالها وحسنها جلست بشموخ تتزيّن بالتفاح والحلفاء ووضعت على جبينها وشما من جروح وأنات شهداء الثورة والارهاب لتتسلّق الى أعلى قمة في تونس مُطلّة بزينتها على آثار تحمل عبق ماضي تليد.
الشعانبي ثروة سرقها الارهاب
ينتصب جبل الشعانبي شامخا بقمة تبلغ 1544 متر ليهدي بين سفوحه وتلاله الممتدة الى الحدود الجزائرية غابات من الصنوبر الجبلي وثديات وزواحف وطيور نادرة نسجت مساحات خضراء وجدها الرعاة مصدر رزقهم لجلب الحطب ورعي الأغنام
 
 
طبيعة الشعانبي الهادئة الصامتة مزّق سكونها على غفلة الارهاب ليحول أغلب مناطقها إلى منطقة عسكرية مغلقة صاخبة بأصوات القصف وتبادل اطلاق النار وانفجارات الألغام.
وحصدت الألغام التي زرعها الارهابيون أرواح العديد من العسكريين والأمنيين والرعاة وحتى المدنيين، فلئن كانت العمليات الارهابية في الشعانبي ليست الأولى في تونس بعد الثورة فقد سبقتها أحداث الروحية الا أنها تبقى الأعنف، وبدأت العمليات الارهابية في الشعانبي منذ 2013 حيث استشهد 8 عسكريين في كمين وكانت فاجعة هنشير التلة التابعة لجبل الشعاني الأكثر دموية ففي شهر رمضان سنة أستشهد خلالها في هجومين متزامين استعملت خلالهما قذائف آ ربي جي 15 عسكريا وأصيب 20 آخرون، القوات الأمنية والعسكرية في كل مرة تردّ الفعل عبر القصف بالمدفعية الثقيلة والتوغّل وتبادل اطلاق النار موقعة خسائر كبيرة في صفوف الارهابيين عبر عمليات رصد دقيقة والكشف عن مخابئ للارهابيين أبرزها التي اكتشفتها القوات الخاصة للجيش في 24 جوان 2013 وهو نفق في جبل الشعانبي طوله 10 كيلومترات تبيّن بعد التوغّل فيه عشرات الأمتار أنّه استعمل حديثا وفق تصريحات الجيش، والملاحظ أنه سنة 2018 الى الآن تعدّ أقل حدّة رغم أن آخر الأحداث الارهابية أدت الى استشهاد مواطنين شقيقين يوم  بمنطقة بوحية التابعة لمعتمدية فريانة من ولاية القصر في 24 سبتمبر نتيجة انفجار لغم ارضي، الأهالي لا يزعجهم صوت الرصاص ولا المدفعية بل ما يقلقهم نزول بعض الارهابيين أحيانا من الجبل الى بعض المنازل القريبة للسطو على المؤونة والأغنام والأغطية والأدوية وما يسببه ذلك من خوف ومن عنف، واضطرارهم على مضض الى عدم الرعي أو الصيد في المنطقة العسكرية المغلقة، فالاهم بالنسبة لهم انتهاء الكابوس والعودة الى ممارسة حياتهم الطبيعية وسط أحضان الطبيعة بأريحية واطمئنان مع بقاء حلم يراودهم تحويل مناطق في الجبل الى منتجعات صحية في الهواء الطلق ونوادي فروسية.
مدينة تؤبن شهداء هنا وهناك
قدمت القصرين شهداء الارهاب وشهداء الثورة، فالثورة مرت من أحيائها الزهور والنور والحبيب بورقيبة ومن مدينة تالة ففي مركز الولاية سقط يومي 9 و10 جانفي2011 بالرصاص الحي 23 شهيدا و6 شهداء في تالة وشهيد في فريانة، على أن أصغر شهيدة في الثورة التونسية هي “يقين القرمازي” رضيعة الـ 6  أشهر استشهدت في حمام النساء بالقصرين اثر استنشاق الغاز المسيل للدموع، والمتأمل في الثورة التونسية سيدرك أن القصرين لم تكون انطلاقاتها الأولى بل سيدي بوزيد لكن القصرين شهدت حصارا كبيرا وحصيلة كبيرة من الشهداء وزخما وقناصة انقضوا على مواطنين عزل الى الآن لم يقع الحسم بشكل دقيق ورسمي في هوية الجهة التي دفعتهم.
الآثار تاريخ يعاني آلام النهب
الشعانبي كنز أهدته الطبيعة للقصرين لو لا الارهاب وفي القصرين كنوز من نوع آخر هي آثار أغلبها رومانية أنهكها النهب والتدمير العشوائي والبحث عن الثراء من قبل أشخاص لا يدركون القيمة التاريخية والحضارية لمثل هذه الآثار وكل واحدة منها تروي حكاية من زمن بعيد عن قوم سابقين وطريقة عيشهم، واخفائهم لتحفهم النادرة وعملاتهم وأموالهن تحت الأرض أو في قبور.
جحافل من السحرة والمشعوذين زحفت الى ولاية القصرين متبوعين ببعض البخور وأجهزة للحفر للبحث عن الآثار وبيعها بأسعار رمزية مقارنة بقيمتها الكبيرة لتجار الآثار، التنقيب عادة ما يكون ليلا أو عند ساعات الصباح الأولى ويكون الحفر عادة على عمق 30 مترا، فبحسب خرائط المعهد الوطني للتراث فأن القصرين تختوي على ما لا يقل عن 3000 موقع أثري. وازدادت هذه الظاهرة بشكل أكبر بعد الثورة مستغلين حالة الفوضى وغياب حراس لمكان الآثار وعدم صيانتها دوريا والاهتمام بها بشكل يليق بمكانتها وعدم تحويلها الى مزارات سياحية وثقافية ضمن مسارات وزارتي السياحة والثقافة يؤمها السياح وعشاق التاريخ.
تنمية تستغيث على أعتاب المسؤولين
وبعد مرور أكثر من 7 سنوات ونصف على الثورة تبقى مدينة القصرين البالغ عدد سكانها حوالي نصف مليون ساكن تتذيل قائمة ولايات الجمهورية في مؤشر التنمية الجهوية لسنة 2017 ب0.388 بالمائة مقابل 0.402 بالمائة سنة 2015 مشاريع كبرى فهي بلا مشاريع ضخمة باستثاء مشروع واحد لا يزال صامدا وهو الشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق، لكن التناقض أن نفس الولاية هي أكثر الولايات التي تحصلت على اعتمادات من قبل الدولة منذ سنة 2011 إلى اليوم  ما يقارب 1200 مليون دينار لإنجاز عدد من المشاريع العمومية، وهو ما يفسر حجم استشراء المشاكل العقارية والتعطيل الاداري ورفض عدد من المستثمرين ورجال الأعمال وحتى المقاولين على الاستثمار في الجهة.
غياب المشاريع الكبرى يرجع أيضا الى ضعف البنية التحتية، فالعديد من الطرقات الى الآن في مركز الولاية غير مهيئة أو معبدة كما أن الطريق الحزامية الكبرى بمدينة تالة لم تنتهي أشغالها والتي انطلقت منذ أكتوبر 2016، ضعف البنية التحتية يقابلها أيضا ضعف المجال الصحي خاصة من حيث التجهيزات الطبية وتوفر طب الاختصاص التخدير والانعاش والنساء والجراحة في انتظار مشروع مستشفى في تالة من تمويل البنك الإسلامي للتنمية، وآخر في سبيبة ، قيمتهما 220 مليار.
 
الأورام التي أصابت القصرين من الارهاب ونهب الآثار وضعف التنمية لم يمنع من انبعاث بوادر الشفاء من خلال عودة الحياة الصيف المضاي الى مسرح السيليوم الأثري الواقع على تخوم الجبال ليستقبل من جديد السهرات الفنية.
درصاف اللموشي
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP