الجديد

بورتريه/ محمود ياسين .. المحامي الذي أصبح “نجم النجوم”

يسر العوني

مرت أربعين يوما على رحيل  الفنان والممثل الكبير محمود ياسين عن سن تناهز 79عاما بعد صراع مع مرض الزهايمر تاركا ارث ضخم في خزينة الفن العربي مايزيد عن 150 فيلما ومايفوق 60عملا دراميا وأكثر من 20 مسرحية.

محمود ياسين الذي يعد أحد أهم نجوم الشاشة وعمالقة الفن العربي حيث يمتلك تاريخ فني طويل ملىء بالنجاحات في السينما والمسرح والتلفزيون والاذاعة أبعده المرض في سنواته الأخيرة عن التمثيل والحياة العامة مما اضطره الى اعلان قرار الاعتزال.

لقبه النقاد ” بفتى الشاشة العربية الأول” نظرا لامتلاكه صفات فتى أحلام البنات خلال مرحلة السبعينات فهوالشاب الوسيم الرومانسي ,الأنيق, المثقف, صاحب الصوت الرخيم الذي يعد من أجمل الأصوات في تاريخ السينما العربية ولديه أداء مميز في اللغة العربية.

الراحل الكبير هو خريج كلية الحقوق الذي وقفت أمامه أجمل النجمات الفاتنات والذي كان من المتوقع أن يصبح محاميا الا أن القدر وعشقه للمسرح قاداه الى مجال التمثيل الذي تميز فيه أنما تميزا وأتقنه بجدارة رغم أنه لم يدرسه اذ كان عصامي التكوين المسرحي

ولد محمود ياسين بمدينة بورسعيد وبدأ تعلقه بالتمثيل المسرحي حين كان تلميذا في المرحلة الاعدادية وكان منذ سنه المبكر يحلم بالوصول الى المسرح القومي. بعد انتهاء دراسته الثانوية, سافر الى القاهرة ليتلحق بكلية الحقوق التابعة لجامعة عين شمس وتخرج منها عام 1964 ثم التحق بالمسرح القومي وجاء ترتيبه الأول في ثلاث تصفيات متتالية.

وكان الطالب الوحيد المتخرج من كلية الحقوق ولكن قرار التعيين في المسرح لم يحدث في ذلك الوقت الا أنه تسلم قرارا لتعيينه في بورسعيد بشهادة الحقوق لكنه رفضه مبررا ذلك بعشقه الكبير لفن المسرح واختار أن يعمل بالتمثيل المسرحي .

بعد تعيين محمود ياسين في المسرح القومي, بدأ رحلته في البطولة المسرحية من خلال مسرحية “الحلم” من تأليف محمد سالم واخراج عبد الرحيم الزرقاني بعدها بدأت نجوميته الحقيقية على خشبة المسرح القومي والذي قدم على خشبته أكثر من 20 مسرحية أبرزها “وطني عكا” “سليمان الحلبي” “عودة الغائب” “الخديوي” “ليلة مصرع غيفارا” واقدساه” الزيرسالم” “ليلى والمجنون” وتولى خلال هذه الفترة ادارة المسرح القومي.

في بداياته الأولى لم يكن محمود ياسين يدرك أهمية السينما, هذا الفن الساحر ومدى تأثيره على المجتمع وفي الناس ولم يكن حينئذ قد شاهد أعمال المخرجين الكبارأمثال “صلاح أبوسيف” و”كمال الشيخ” و”حسين كمال” و”يوسف شاهين” ولهذا كان مترددا في العمل بها منحازا أيما انحيازا للفن الرابع حتى أنه بدأ مسيرته السينمائية بأدوار ثانوية من خلال هذه الأفلام “الرجل الذي فقد ظله” القضية 68″ “شىء من الخوف” وحكاية من بلدنا” حتى جاءته فرصة البطولة الأولى من خلال فيلم “نحن لا نزرع الشوك” أمام شادية من اخراج القدير حسين كمال المخرج الذي اكتشفه وهذه الفرصة فتحت له أبواب الشهرة والمجد ثم توالت أعماله السينمائية العديدة والمتنوعة لأكثر من 150 فيلما خلال مسيرة فنية متميزة امتدت لأكثر من نصف قرن من الزمن

خلال مرحلة السبعينات التي تعد أهم المراحل وأكثرها غزارة من حيث الأداء السينمائي اذ كان محمود ياسين يمثل حوالي 8 أفلام في السنة وكان النجم الأول والأوحد والأهم لدى المخرجين والمنتجين والأكثر أجرا وحظا بين أبناء جيله.عرف محمود ياسين بأدواره الرومانسية في السينما العربية وخاصة في هذه الفترة حتى أن النقاد لقبوه “بفتى الشاشة العربية الأول “وشاركته البطولة أهم وأجمل نجمات وفاتنات السينما العربية من مختلف الأجيال أهمهن “شادية” “فاتن حمامة” “سعاد حسني” “ماجدة” ومن جيل الشباب في السبعينات “نجلاء فتحي” “ميرفت أمين” “مديحة كامل” “نبيلة عبيد” “نادية الجندي” “يسرا” “نيللي” “بوسي” و”نجوى ابراهيم.”

وقف في بداياته أمام شادية في “نحن لا نزرع الشوك” سنة 1970 واستطاع الفيلم أن يحقق معه نجاح كبير في ذلك الحين وكانت معه الانطلاقة الحقيقية لمحمود ياسين وكان قد شاركها أيضا فيلم” شىء من الخوف” عام1969.

وحين عادت سيدة الشاشة العربية الفنانة الكبيرة فاتن حمامة الى السينما بعد فترة غياب خارج مصراختارته ليشاركها بطولة “الخيط الرفيع” سنة 1971 عن قصة احسان عبد القدوس كوجه جديد يفيض وسامة ودماثة وشبابا وتواصل تعاونهما في فيلم”حبيبتي”1974 و”أفواه وأرانب” سنة 1977 , اذ شكلا معا ثنائيا رومانسيا جميلا ومتناغما.

وكان محمود ياسين يفتخر دائما بالعمل مع سيدة الشاشة العربية اذ كان صاحب حظا كبيرا مقارنة بأبناء جيله اذ لم يتقاسم منهم أحدا البطولة مع فاتن حمامة وسط انهمار الأعمال السينمائية والتلفزيونية والعروض المسرحية والاذاعية على النجم الصاعد انذاك.

حظي محمود ياسين مع الفنانة الجميلة نجلاء فتحي بعدد كبير من الأفلام وصل عددها الى حوالي 25 فيلم سينمائي أبرزهم ” أذكريني ” “رحلة النسيان”سونياوالمجنون””حب أحلى من حب” أنف وثلاث عيون” لا يا من كنت حبيبي” الشريدة”امراة مقاتلة ” مدافن مدفوعة للايجار” “العاطفة والجسد” “الوفاء العظيم” وتنوعت أدوارهما سويا بين الرومانسية والاجتماعية واستطاعا أن يقدما “كاريزما سينمائية” سويا تركت بصمة خاصة ومميزة لدى المشاهدين فهي أكثر نجمة تعاون معها وشكل معها ثنائي فني رومانسي متميزا يعد من أجمل الثنائيات الفنية في زمن الفن الجميل.

يعد محمود ياسين من أفضل من قدموا شخصية الجندي المصري في السينما وجسد شخصية دور المحارب في العديد من الأفلام التي ترصد الفترة مابين عامي 1967 و1973 والتي بقيت محفورة في الذاكرة الجماعية مثل “الرصاصة لا تزال في جيبي ” سنة 1974 الذي وثق لانتصار أكتوبر المجيد سنة 1973 “أغنية على الممر” 1972 “الوفاء العظيم” و”الظلال في الجانب الاخر1974″ “حائط البطولات” 1998 و”فتاة من اسرائيل” 1999.

كما اشتهر محمود ياسين بأداء الأدوار النفسية المعقدة كدوره في فيلم “أين عقلي” “بالتهم الشيطان” ومسلسل “الدوامة ” وامتلك صوتا مميزا رخيما وأداء متميز في اللغة العربية جعله يتولى مهمة التقديم والتعليق في الكثير من الفعاليات الفنية والوطنية “كجنازة الزعيم جمال عبد الناصر” “خطبة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم في فيلم الرسالة” وعديد الأدعية والوصايا النبوية “كمفتاح الجنة في كلمة”.

لم يكد عقد السبعينات ينقضي حتى أصبح محمود ياسين “فتى الشاشة العربية الأول” بأكثر من 70 فيلما وذلك الى جانب عدد من الأعمال الفنية المقتبسة من روائع أعمال كبار الأدباء منها “أنف وثلاث عيون ” “ولا يزال التحقيق مستمرا” لاحسان عبد القدوس عامي 1972 و1979 و”ليل وقضبان” لنجيب الكيلاني 1973 و”سونيا والمجنون” عن رواية الجريمة والعقاب للروائي العالمي دوستويفسكي 1977 وكذلك “الوحش داخل الانسان” عن رواية الروائي الفرنسي اميل زولا 1981 و”الحرافيش” لنجيب محفوظ 1986.

وفي الثمانينات قدم محمود ياسين أكثر من 50 فيلما منها “الباطنية” 1980 و”السادة المرتشون” 1983 و”الجلسة سرية” 1986 و”موعد مع القدر” 1987. كذلك كان ياسين ممثلا بارعا في انتاج الأعمال التلفزيونية فقدم حوالي 65 مسلسلا حقق معظمها نجاحا كبيرا بدءا من “المطاردة” 1969 ومرورا ب”غدا تتفتح الزهور” الذي أهدى فيه الأطفال أغنية بصوته, “اللقاء الثاني” و”أخو البنات” و”جمال الدين الافغاني” و”محمد رسول الله” 1984 و”المعز بن عبد السلام” 1987 و”أيام المنيرة” 1994 وواصل نجوميته في الامام الأعظم “أبو حنيفة النعمان” 1997 و”خلف الأبواب المغلقة”

كذلك كان ياسين ممثلا بارعا في انتاج الأعمال التلفزيونية فقدم حوالي 65 مسلسلا حقق معظمها نجاحا كبيرا بدءا من “المطاردة” 1969 ومرورا ب”غدا تتفتح الزهور” الذي أهدى فيه الأطفال أغنية بصوته, “اللقاء الثاني” و”أخو البنات” و”جمال الدين الافغاني” و”محمد رسول الله” 1984 و”المعز بن عبد السلام” 1987 و”أيام المنيرة” 1994 وواصل نجوميته في الامام الأعظم “أبو حنيفة النعمان” 1997 و”خلف الأبواب المغلقة”

1999 وصولا الى “سوق العصر” 2001 و”العصيان” و”ثورة الحريم” 2002 و2003 و”ماما في القسم” وهو اخر مسلسل قدمه مع الفنانة القديرة سميرة أحمد في 2010.

وخلال مسيرته الفنية تحصل ياسين على أكثر من 50 جائزة منها جائزة الدولة عن أفلامه الحربية سنة 1975 وجائزة مهرجان الاسماعيلية 1980 وفي العام نفسه تحصل على جائزة مهرجان طشقند وجائزة السينما العربية في أمريكا وكندا 1984 ومهرجان الجزائر عام 1988 كما حصل على جائزة أحسن ممثل في مهرجان الاذاعة والتلفزيون لعامي 2001 و2002. وفي 2005 تم اختياره من قبل الأمم المتحدة سفيرا للنوايا الحسنة لمكافحة الفقر والجوع وفي 2015 تم تكريمه في مهرجان الاسكندرية لسينما حوض البحر المتوسط .

الفنان الكبير محمود ياسين لم يكن له مثيل في صوته المتميز وحضوره الطاغي وأدائه المتميز والمتنوع بين الأدوار السياسية والاجتماعية والدرامية مما جعله من أهم النجوم في تاريخ السينما العربية والأكثر انتاجا بين أبناء جيله نظرا للصفات الكثيرة والموهبة الفنية والخبرة والتجربة والثقافة الموسوعية التي تميز بها واستغلها لصالحه ليجسد بفضلها أدورا هامة خلال أكثر من نصف قرن من الزمن نحت بها اسمه بأحرف من ذهب في سجل العصر الذهبي وبقيت علامات راسخة الى اليوم في الذاكرة الجماعية لملايين المشاهدين العرب من عشاقه ومحبيه.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP