الجديد

ماكرون عشية السبت الأسود .. فرنسا في مواجهة المجهول

من باريس- خديجة زروق
باريس تتحصن خوفا، تحسبا من موجة عنف و فوضى جديدة غدا السبت 8 ديسمبر 2018 ،على بعد ساعات من نهاية أسبوع ينذر بانفجار اجتماعي خطير ،تتهيأ معظم المحالات الفخمة و الباريسية المعروفة لغلق ابوابها غدا، على بعد أسبوعين من أعياد الميلاد، و موسم الهدايا، و تقدر الخسائر المتوقعة لنهاية هذا الأسبوع بمليار يورو، في ظل هذا الجو المشحون التي تعيشه فرنسا و باريس خاصة .
في هذه الاجواء الاجتماعية المحتقنة، منذ ثلاثة اسابيع او اكثر، و التي لم تشهد فرنسا مثيل لها منذ ثورتها، حيث ان اصحاب السترات الصفراء، لا يقودهم حزب و لا نقابة و لا زعيم، و ما يجمعهم الا ظروفهم الاقتصادية و الاجتماعية الهشة و الصعبة جدا، في ظل غلاء المعيشة و ارتفاع الضرائب.
في هذه الأثناء، و خلال الأسبوع المنقضى، شهدت الساحة السياسية الفرنسية اول تراجع للرئيس ماكرون، عند إلغائه لقانون رفع الضرائب على المحروقات، و لكن هذا الالغاء سبقه اقتراح لرئيس حكومته بساعات، لإيقاف هذا الاجراء لمدة ستة اشهر، و لكن جاء قرار الرئيس مغايرا، و هوما فهم على ان الازمة بدأت تربك الفريق الحاكم والنظام برمته.
سوء التفاهم دخل بين الرئيس و وزيره الاول، و هناك من ذهب الى ان ماكرون غلب شقه اليساري على شقه اليميني، و لكن حتى القرار جاء متأخرا جدا، و لم يرض المحتجين، و يبقى شعارهم الاول رفع مستوى المعيشة.
لكن الأبعد و الأعمق من هذا و ذاك هو البعد السوسيولوجي لهذه الانتفاضة، حيث ان الصراع هو اكثر من طبقي بل هو بين “النخبة ” l’élite و العامة، و هذا صراع جسمه الرئيس ماكرون الذي ينعت برئيس الأغنياء، عندما ألغى الضرائب على الثروات، و ليس هذا  فحسب بل هو شاب وسيم مثقف  و غني و يتكلم لغات و ذكي و كسر الأحزاب السياسية التقليدية و كوّن أغلبية برلمانية من مجموعة نخب شابة فهذا المثال و كأنه اقلق الفرنسيين الى حد الانفجار.
و ما العريضة التي وقعا اليوم الجمعة 7 ديسمبر  175 من مثقفين و من “قادة الرأي ” في فرنسا للمطالبة بالتعقل و التزام الهدوء غدا،  الا دليل اخر على الخوف الذي انتاب الجميع و هذا الخوف سنشاهده غدا ب 8 آلاف عون امن منتشرين  في كامل شوارع باريس،  و ما غلق المتاحف و برج ايفل و احلى شارع في العالم : “الشأن إليزي”،  الا دليل إيضافي و قاطع على اننا نعيش تحول جذريا في فرنسا.
تحولا  لا احد يعرف اين سينتهي، فهل ممارسة الديموقراطية عبر الوسائل و الأدوات المتعارف عليها من انتخابات و احزاب و نقابات و سلطة تنفيذية و تشريعية بدأ ينتهي؟ و هل ان الشعبوية  بدأت تجتاح فرنسا كما باقي أوروبا؟ اما الامر أعمق من ذلك بكثير ؟ و هل ان وسائل التواصل الاجتماعي هي الوعاء الذي يجمع الجميع بمختلف المشاريع و المطالب و هو الذي يجمعهم و يتخاطبون و يتناقشون من خلاله دون ان يلتقوا  او يقودهم زعيم .؟.
الايام القادمة هي الوحيدة القادرة على الإجابة على كل هذه الأسئلة.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP