الجديد

الفاشية والتنوير .. والجمع بينهما!؟

خالد شوكات

يغضب بعض أنصار السيدة عبير موسي عندما يتم وصف حزبهم ب”الفاشي” أو حركتهم ب”الفاشية”، والحق أن الأمر لا يستحق الغضب، فتوصيف الفاشي أو الفاشية هو توصيف علمي دقيق وواقعي ولا يندرج ضمن أنواع السباب أو الشتيمة الدارجة، فقد كان الفاشيست عند ظهورهم فخورون بتوجههم السياسي الراديكالي المعادي للديمقراطية الليبرالية التعددية.

وفي الموسوعة الافتراضية ” ويكيبيديا” نجد تعريفا للفاشيين والفاشية يتطابق تماما مع حال عبير موسي ومشروعها السياسي الراهن، سواء من حيث الماهية أو السياق التاريخي الذي عادة ما يظهر فيه الفاشيست، حيث تقول الموسوعة ما يلي: “يأتي الفاشيون إلى السلطة –في أغلب الحالات– على إثر حدوث انهيار اقتصادي بالبلاد أو هزيمة عسكرية أو كارثة أخرى.

ويكسب الحزب الفاشي تأييدًا شعبيًا لما يبذله من وعود بأنه سينعش الاقتصاد، وسيسترد كرامة البلاد. وقد يستغل الفاشيون خوف هذه الشعوب من الشيوعية (تمت الاستعاضة عنها بالإسلام السياسي/الخوانجية) أو الأقليات. ونتيجةً لذلك قد يستحوذ الفاشيون على السلطة عن طريق انتخابات سلمية أو عن طريق القوة”. وتضيف الموسوعة في تعريفها لهذه الحركة بإشارتها أن: “الفاشية هي تيار سياسي وفكري من أقصى اليمين، ظهر في أوروبا في العقد الثاني من القرن العشرين، لهُ نزعة قومية عنصرية تُمجّد الدولة إلى حدّ التقديس، ويرفض نموذج الدولة الذي ساد أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر القائم على الليبرالية التقليدية والديمقراطية البرلمانية التعددية”.

غير أن المفارق هو أن البعض ممن يصنفون ب”الفلاسفة” عندنا، لم يجدوا غضاضة من باب كراهيتهم المفرطة للإسلاميين، في نصح السيدة عبير باتخاذ “التنوير” شعارا وتحويل تيارها الفاشي إلى ثورة، وهي ثورة فعلا لكن بالمعنى “المضاد” ربّما، ولا احد يعلم حقّا ما اذا كان ممكنا الجمع بين “التنوير” الذي كان وظيفة حركة الأنوار التي رفعت شعار الاخوة الانسانية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، وبين “الفاشية” التي تعمل على زرع مشاعر الكراهية بين فئتين من المواطنين وتدعو الى إقصاء جزء من الشعب لمجرد اختلافه الفكري والسياسي عنها والانتقام من النظام الديمقراطي التعددي والعودة الى الادارة الاستبدادية للبلاد بحجّة الخوف على الدولة والسعي الى تحصينها.

تاريخيا وفلسفيا هناك هوّة شاسعة بين “التنوير” و”الفاشية”، فالفاشية كانت فترة قاتمة مظلمة ونكبة عظمى على الشعوب التي اعتنقتها وساعدت في التمكين لها، بل لقد كان الفاشيون أدوات عنصرية وقتل وتدمير، رفعوا شعار نصرة الدولة لكن تجاربهم انتهت الى تخريبها، فضلا عن جرائمهم المروعة في حق الانسانية، كانت ربما الأكثر فضاعة على مر التاريخ البشري، وبصرف النظر عن الموقف من الاسلام السياسي والنقد الفكري والسياسي الموجه للاسلاميين، فإن ذلك لا يمكن ان يزّين لفلاسفتنا منح وظيفة “التنوير” لحزب فاشي بضاعته الرئيسية “الترويج للكراهية” وأداته زرع “الخوف” بين المواطنين وبرنامجه الرئيسي استثمار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة لتحقيق أهداف سياسوية وسلطوية مشبوهة.

التنوير في رأيي يعني مساعدة المتطرفين والمتعصبين الدينيين على ان يتحوّلوا عبر النقد والمراجعة والاقتناع ليكونوا مواطنين ديمقراطيين صالحين، كما يقتضي تعبئة الناس بالحبّ والانسانية والقدرة على العمل المشترك والإيمان بمبادئ السلمية والمدنية والديمقراطية، لا دفع الناس الى العداوة والنزاع والاقتتال والفتن الداخلية والتعصب الأعمى واحتكار الوطنية والحداثة كما تفعل السيدة عبير وهؤلاء الذين يسيرون وراءها دون قدرة على مناقشتها او حتى مشاركتها في اتخاذ القرار. على هؤلاء “الفلاسفة” أن يعلموا أن قاعدة التنوير ومنطلقها قبل أن يصبح حركة فاعلة في التاريخ الحديث على ايدي “فلاسفة” الانوار، كانت جذورها في حركة الاصلاح الديني التي قادها مارتس لوثر وكالفن، فلو لا هذه الحركة ما تراجعت الكنيسة ولا قبلت المسيحية بالدولة العلمانية.

ان العلمانية ما هي الا نتاج حركة دينية قبل ان تكون نتاج حركة العقلانية والحداثة، ولهذا كان على هؤلاء الفلاسفة ان يكونوا عونا في إصلاح الحركة الاسلامية وتشجيعها على قطع مزيد من الخطوات الاصلاحية والتقدمية، لا تأليب الفاشية عليها وعلى البلد والديمقراطية. إن التنوير الحقيقي هو ذاك الذي أنتج الانتقال الديمقراطي، وهو الذي حوّل الثورة المفتوحة الى مشروع اصلاحي، وهو الذي راكم مكتسبات الحركة الاصلاحية والوطنية التونسية حتى أدركت هذه اللحظة الديمقراطية التي استوعبت جميع العائلات الفكرية والسياسية ونأت ببلادنا عن الفتنة الداخلية والحرب الأهلية وكانت مقدّمة لقطيعة تاريخية ممكنة بين ماضي قرون من الاستبداد ومستقبل نريده ان يستمر حرا وتعدديا وديمقراطيا وعميقا وعقلانيا ومدنيا، ومن هنا ضرورة التعاون والتضامن بين قوى الاصلاح الوطني، المحافظة والتقدمية على السواء، لإلحاق الهزيمة بأصحاب المشاريع النكوصية، وأخطرها المشروع الفاشي، ذلك ان المشروع الداعشي قد هزم في بنقردان وإلى الأبد.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP