الجديد

  الاعلام التونسي .. من “هيمنة الدولة” الى ” قبضة الخواص”  !  

منذر بالضيافي

هناك انطباع عام لدى قطاع واسع من التونسيين، يعتبر أن الاعلام التونسي التقليدي ، وخاصة ما يعرف بالجماهيري منه ( الاذاعات والقنوات التلفزية )، لم يوفق لا في تقديم مادة اعلامية مهنية، ولا أيضا في اثارة القضايا الأساسية التي تشغل الناس، أو في فتح حوار وادارة الحوار حول الشأن التونسي في علاقة بالتحولات التي تعصف بالعالم، ويذهب البعض الى اعتباره أيضا من المسؤولين على فشل تجربة “الانتقال الديمقراطي”، التي عرفتها البلاد خلال “العشرية” الفارطة.

ولعل مرد مثل هذا التقييم، الذي قد يكون فيه الكثير من المبالغة، كان عليه – على الأقل – استثناء  بعض التجارب الاعلامية ، التي يمكن أن تشذ عن مثل هذا التقييم السوداوي والمحبط.

لكن الجدل حول أداء الاعلام التونسي، لا يمكن أن يخفي أن هذا  القطاع يشهد أزمة هيكلية، تفسر من خلال الهشاشة الشغلية ، ونقص التكوين والتأطير، بسبب عدم وجود مؤسسات مهيكلة في القطاعين العام والخاص.

فالتونسي اليوم أصبح لا يري نفسه  في اعلامه وبصدد الهجرة نحو قنوات خارجية مثلما كان قبل “الثورة”.  كما وجد في شبكات التواصل الاجتماعي متنفسا للتعبير عن مشاغله، فالإعلام  التقليدي لم يفتح حوارا وطنيا حقيقيا حول شواغل وقضايا المجتمع.

والثابت هو أننا انتقلنا من اعلام تهيمن عليه السلطة، الى اعلام يسيطر عليه رجال المال والأعمال، فضلا عن غياب  ارادة سياسية في اصلاح الاعلام العمومي، فكل الحكومات التي جاءت بعد الثورة نظرت وتعاطت معه  كإعلام حكومي لا كإعلام عمومي أو مرفق عمومي، يقدم خدمة عمومية بكل مهنية وموضوعية.

فالتونسي اليوم أصبح لا يري نفسه  في اعلامه وبصدد الهجرة نحو قنوات خارجية مثلما كان قبل “الثورة”.  كما وجد في شبكات التواصل الاجتماعي متنفسا للتعبير عن مشاغله، فالإعلام  التقليدي لم يفتح حوارا وطنيا حقيقيا حول شواغل وقضايا المجتمع.

يمر الاعلام التونسي بأزمة هيكلية منذ عشريات طوال من ابرز أسبابها ما يلي:

1/

غياب مؤسسات صحفية منظمة و لها هيكلة ، فأغلب الموجود – خاصة في القطاع الخاص ولحق به أيضا القطاع العام – لا يرتقي ليكون مؤسسة بل مجرد “دكاكين” يتحكم فيها تسييرا وتحريرا صاحب “الباتيندة” (الرخصة بالتونسي).

2/

نقص وتراجع كبير في مستوي تكوين اغلبية خريجي الجامعة من مختلف الشعب (حقيقة لا يجب اان يتم السكوت عنها باسم التضامن داخل القطاع).

3/

غياب التأطير والاحاطة داخل “المؤسسات” الاعلامية، التي يفتقد اغلبها الى ادارات وجالس تحرير منتخبة تشرف على المحتوى الاعلامي.

5/

تراجع الاعلام العمومي بشكل غير مسبوق (وات و لابراس والاذاعة والتلفزة) اذ كان من المأمول اان يكون الاعلام العمومي قاطرة لإصلاح القطاع، وهذا لم يحصل بل ان الاعلام العمومي نفسه تراجع كثيرا.

6/

حرص كل الحكومات  – منذ الاستقلال الى الان – على عدم اصلاح القطاع وتهميشه لتسهيل عملية تدجينه و بالتالي لا يتحول الى سلطة مزعجة.

7/

عجز العاملين في القطاع والمنظمات المهنية – مثل نقابة الصحفيين وغيرها – عن وضع برنامج لإصلاح القطاع.

8/

هجرة الكفاءات للقطاع نحو المؤسسات الخليجية والأوروبية.

8/

انتقال الهيمنة على القطاع من الدولة، التي كانت توظفه للهيمنة على المجتمع وتشكيل الراي العام، الى القطاع الخاص الذي تتحكم به ” زمر ضغط” لها اجنداتها ومصالحها الخاصة، مع بعض الاستثناءات القليلة.

وهو ما حول وجهة الاعلام من “خدمة عامة” الى ” سلعة” تخضع لقانون السوق، أي لقاعدة ” العرض” و ” الطلب”، وهذا ما يفسر برامج “التفاهة” التي تقدم نفسها كمنوعات، وهو ما سمح بهيمنة  “البوز” ( الاثارة )  و ما تبعه من “تمييع ” للذوق العام والهائه.

فاقد الشىء لا يعطيه

ان المتابعة الاعلامية والصحفية لتفاعلات المشهد التونسي المتقلب تحتاج الى جهد معرفي وقدرة على التحليل، وفهم للتناقضات وهذا يفترض متابعة دقيقة وقدرة على فهم ما يكتب خاصة من قبل مراكز البحث والدراسات الاستراتيجية، وكل هذا والاقل منه غير متوفر في اعلامنا بكل محاميله.

ان مقاربة التحولات التي تعصف ببلادنا، تحتاج الى سعة اطلاع وعمق ثقافي و منهجية في الفهم والتحليل، و هي للأسف لا نكاد نقف لها على أثر في ما يكتب في صحافتنا، وما يذاع ويقدم من برامج اذاعية وتلفزية.

التي يغلب عليها “التكرار” وغياب “الجدية” وعدم “الفهم”، وهذا ليس تهجما وانما مقاربة نقدية من متابع – أزعم أنه يتقن “فن القراءة” والمتابعة – وهو ما يجعلني مؤهلا لتقييم اداء اعلامنا المحلي.

وهنا أنتقل الى أشباه “المحللين” و ” الكرونيكورات “، الذين تعج بهم اذاعاتنا وتلفزاتنا، وهم في الغالب – الا ما ندر- يروجون الى  “اللامعنى” ويتحدثون في قضايا لا يفقهونها ولا يفهمونها اصلا وفصلا.

ان مقاربة التحولات التي تعصف ببلادنا، تحتاج الى سعة اطلاع وعمق ثقافي و منهجية في الفهم والتحليل، و هي للأسف لا نكاد نقف لها على أثر في ما يكتب في صحافتنا، وما يذاع ويقدم من برامج اذاعية وتلفزية.

أشخاص ليس لهم بحوث ولا كتب ولا دراسات ولا حتى مجرد قراءات حول ما يخوضون فيه، ولا ينشطون ضمن مراكز دراسات محكمة، فمن أعطاهم لقب أو صفة “محلل”، وهو ما يجعل من الكثيرين منهم منتحلي لصفة.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP