الجديد

مراد علالة يكتب عن "عودة الوعي" عند لطفي زيتون !؟

تونس- التونسيون
كتب الاعلامي مراد علالة  في جريدة / الصحافة اليو عدد اليوم  13 فيفري 2019 مقالا مهما حول تصريحات القيادي في حركة النهضة لطفي زيتون الأخيرة وفي ما يلي نص المقال:
بعد أشهر قليلة من المؤتمر العاشر لحركة النهضة الذي التأم تحت شعار فصل الدعوي عن السياسي في شهر ماي 2016، أعلن المستشار السياسي لرئيس الحركة لطفي زيتون ان النهضة «تقوم برحلة من اليمين الى الوسط وهناك بعض الاختلاف حول سرعة الرحلة ونوع الرحلة نفسها… الحركة تتجه نحو الوسط لأن البلاد في حاجة لذلك وتسيير الدولة يتطلب أيضا ذلك ويجب الاتجاه نحو الوسط».. وجاء هذا التصريح المتفائل لاذاعة شمس اف ام الخاصة يوم 25 سبتمبر 2017.
بعد أشهر قليلة من المؤتمر العاشر لحركة النهضة الذي التأم تحت شعار فصل الدعوي عن السياسي في شهر ماي 2016، أعلن المستشار السياسي لرئيس الحركة لطفي زيتون ان النهضة «تقوم برحلة من اليمين الى الوسط وهناك بعض الاختلاف حول سرعة الرحلة ونوع الرحلة نفسها… الحركة تتجه نحو الوسط لأن البلاد في حاجة لذلك وتسيير الدولة يتطلب أيضا ذلك ويجب الاتجاه نحو الوسط».. وجاء هذا التصريح المتفائل لاذاعة شمس اف ام الخاصة يوم 25 سبتمبر 2017.
التفاؤل، تبخّر اليوم على ما يبدو نتيجة الاصطدام بصلابة تضاريس الحركة ورموزها لنكتشف في 12 فيفري 2019 «أخا» محبطا أو ربما مصدوما ومسلّما بتشدّد تنظيمه واستحالة تغييره، أو ربما أيضا صارما في الانتصار للذات والاقرار بأن النهضة كما هي «كادوك» لا تصلح ولا تصلح ولا معنى لها في التجربة الديمقراطية كما اكتشفها الرجل في احدى أعرق الديمقراطيات في العالم إبان إقامته في بريطانيا بين 1992 و2011.
خطاب راديكالي؟
الموقف الجديد للطفي زيتون هو للحقيقة مراكمة لمواقف وأداء أحد أكثر الأعضاء اثارة للجدل داخل حركة النهضة وحتى داخل بقية جماعات الاسلام السياسي والمشهد السياسي عموما، هذا ولئن كان الكلام واضحا ومباشرا وبلا قفازات لصحيفة الشارع المغاربي الأسبوعية في عدد الأمس 12 فيفري 2019، فان الارتدادات ستكون مهمة ومزلزلة نظرا لضخامة الوزن السياسي للرجل في التنظيم كما أسلفنا وفي معادلات الحكم وفي موازين القوى في الداخل والخارج وفي علاقة أيضا بالاستحقاقات القادمة والرهانات اللاحقة الانتخابية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والقضائية فما قاله لطفي زيتون بوضوح لا يمكن أن يمر مرور الكرام.
وإنصافا لزيتون وحتى لا يرجم وبالخصوص من ذوي القربى كالعادة، يتوجب التذكير أنه أحد أبناء الحركة الاسلامية في تونس على امتداد 4 عقود تعرّض للاعتقال والسجن أكثر من مرة وهو على مقاعد الدراسة ليبدأ رحلة المنفى عام 1990 تاريخ بداية الفصل المريع في المحرقة التي عرفتها بلادنا نتيجة الصراع على السلطة بين بن علي والتجمّع من جهة والاسلاميين من جهة أخرى.
وخلال هجرته القسرية واصل زيتون نشاطه في التنظيم وتسلق المراتب العليا فيه وشغل خطة مدير مكتب رئيس الحركة وعضوا في مكتبها الاعلامي والسياسي والتحق بالمكتب التنفيذي ومجلس الشورى وهو اليوم وبعد العودة الى تونس وانتقال النهضة من الجهاد ضد الدولة الى الجهاد داخلها، يشغل خطة مستشار سياسي لرئيس الحركة بعد أن كان ذات يوم مستشارا سياسيا لرئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي.
وخلال هذه المسيرة أيضا كان الحضور الاعلامي لزيتون لافتا وحسب على «الحمائم» وقيل عنه أنه «الوجه اللايت» للاسلام السياسي ودوره كبير في «تبييض» النهضة وتلميع صورتها وتحقيق التطبيع معها في المجتمع التونسي ولم يتردد في هذا الاطار في الاصداح بمواقف أزعجت اخوته وأغضبت الصقور بوجه خاص على غرار موقفه من مشروع قانون المساواة في الإرث حيث جاهر بوضوح بأنّ «المساواة هو موضوع عالمي والاسلام أعطى للمرأة الحدّ الأدنى موش معناها ما نجموش نزيدوا نعطيوها حقها». وهذا الموقف كلفه باهظا حيث انتقده صقور أمثال محمد بن سالم وعبد الحميد الجلاصي وكانت مواقفهما بمثابة التحريض ضد الرجل الذي رجمته صفحات التواصل الاجتماعي بما فيها تلك المحسوبة على الحركة.
وذهب بن سالم الى حد اعتبار زيتون مغرّدا خارج السرب منذ مدة وعاب عليه الاصداح بما في ذهنه واعتبر أنها مسائل داخلية مازال النقاش جاريا فيها داخل المؤسسات وبالتالي فهي غير قابلة للنشر على غرار الموقف من الاستقرار الحكومي أو انتهاء التوافق بين الشيخين حيث بدا زيتون واضحا جدا في اعتبار التوافق كان شخصيا ولم ينعكس على المؤسسات وكذلك لم يكتب له الاستمرار.
بداية النهاية
وكما هو معلوم، لم يخف لطفي زيتون امتعاضه مما يجرى داخل التنظيم وكانت رسالته بتاريخ 23 سبتمبر 2018 ناقوسا ينبه الى أن الحركة لا تسير في الاتجاه الصحيح المعلن في المؤتمر العاشر وكذلك اداء رئيس الحركة. ومنذ ذلك التاريخ واصل زيتون التغريد خارج السرب ليعبر ليس فقط عن موقف شخصي وإنما عن موقف جماعي ولو جماعي محدود داخل الحركة التي تربى فيها وهذا المعطى الموضوعي الى جانب المعطى الذاتي الذي تحدثنا عنه ويتصل بالسيرة الذاتية هو الذي جعل المستشار السياسي رئيس النهضة يكشف جميع أوراقه في الحوار الصحفي الأخير.
ويمكن تقسيم ما جاء في الحوار الى قسمين، قسم انتفض فيه لطفي زيتون على تنظيمه وعلى ممارسات غريبة داخل «حزب مدني» في الحكم، وقسم ثان ثار فيه وثأر من الاسلام السياسي ومن بدعة «الاسلام والديمقراطية» المصطلح الذي لم يعد يقنعه.
تنظيميا، كشف زيتون أمرين على غاية من الخطورة أولهما «التجسس على أشغال مجلس الشورى الاخير» على حد تعبيره واضطراره شخصيا للانسحاب منه والاستغراب من ان يقدم «أخ» داخل التنظيم على تسريب فيه شبهة تصفية حسابات مع شخصه أولا ثم تقديم «خدمة» مجانية وغير مقبولة سياسيا واخلاقيا للحكومة!؟ وثانيا، اصرار الحركة على اعتبار الاسلام دينها لوحدها دون سائر التونسيين والتصرف على هذا الاساس.
هذه الاعترافات من رجل في حجم لطفي زيتون وفي مركزه السياسي ودوره في النهضة يدفع الى طرح السؤال ماذا بعد؟. ماذا بعد داخل النهضة المتهمة والمتهم بريء حتى تثبت ادانته بتفشي الممارسات «البوليسية» داخلها ان جاز القول وما حقيقة الملفات و«الدوسيات» ورجال الاعمال الذين تحدث عنهم في الحوار وهم «يرتعشون» خوفا على مصائرهم؟ من يمسك بالملفات وماذا يريد بها؟ ومتى يتدخل رئيس الحكومة لوضع النقاط على الحروف؟.
أما في علاقة بالاسلام السياسي، جميل ان يفك لطفي زيتون الارتباط بهذا الطرح وان يحسم في أي امكانية لتطور النهضة بشكلها الحالي وقادتها الحاليين لكن الأجمل ربما ان تنضم الاصوات التي يعبر عنها الرجل داخل النهضة وداخل جماعات الاسلام السياسي بشكل عام ممن ضاقت بهم الوصفات الجاهزة واخطرها وصفة «الاسلام الديمقراطي» التي لم تعد تقنع زيتون فما بالك ان تقنع غيره.
لقد سبق ان خرجت شخصيات وازنة من التنظيم، فيها من انقطع عن الشأن العام وفيها من خاض تجربة جديدة وانتصب لحسابه الخاص على غرار مؤسس حزب البناء الوطني رياض الشعيبي ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي الذي اعلن الترشح مستقلا للانتخابات الرئاسية القادمة ومنار اسكندراني الذي اعلن في أكثر من مناسبة عن مشروع سياسي جديد بيد ان لطفي زيتون بمواقفه وباصراره الذي ما انفك يترجمه بمواقفه المتمردة على التنظيم منذ فترة يرجح الى قدر كبير ان يكون له صدى وتأثير ومضاعفات سواء ظل أخا في «الظل» او ذهب بعيدا في مشروع سياسي جديد قد يكون «محافظا» كما قال مستقرا في الوسط الذي لم تقدر النهضة على الوصول اليه.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP