الجديد

الحبيب بورقيبة : السجن ما بعد الأخير .. بن سدرين و محاكمة التاريخ

المازري طبقة
ليس في سياق هذا المقال مجال لإعادة التأكيد على أن مسار العدالة الانتقالية هو مسار تاريخي بالنسبة لتونس و مفصلي لبناء مستقبل دون ضغائن و على أساس العدالة و المساواة بين جميع المواطنين على اختلاف انتماءاتهم , مسار يعبّر على استمرار الدولة و اعترافها بأخطاء في حق من تعرّضوا فعلا لمضايقات و تتبعات و انتهاكات , كما أن التأكيد يبدو ضروريا على أن مسار العدالة الانتقالية الصادر بقانون عن المجلس التأسيسي لا ينحصر في شخص سهام بن سدرين و التي تم انتخابها كبقية الأعضاء و حتى المنسحبين منهم بصفة عضو في الهيئة لا رئيسة للهيئة كما يروّج لذالك من يرون في بن سدرين المسار بأكمله في شخصنة ولى عليها الدهر و تجاوزها.
يقول بعض مُعارضي بن سدرين انها حوّلت العدالة الانتقالية الى عدالة “انتقامية” و لكني شخصيا أحبّذ استعمال عبارة “العدالة الانتقائية” كيف لا و بن سدرين و أمام سلبية طيف سياسي كبير و أمام تهاون طيف سياسي ربما أكبر نصّبت نفسها دون موجب حق “حاكمة على التاريخ ” راضخة تحت أهوائها السياسية و انتماءاتها الايديولوجية المتعددة و المتنوعة , الرئيسة كما يحلو لمُريديها مناداتها تريد كتابة التاريخ بقلم ملؤه الإنحياز و التطرّف , تطرّف يهدد تاريخ تونس و زعماء تونس بتحويلهم الى ” مجرمين” حسب قانون العدالة “الانتقائية” و الحال ان الأرض و سمائها و القوانين و فصولها و التاريخ و عهوده صنفوا هؤلاء على انهم ابطال من طينة الزعماء , زعماء شهد لهم العالم بكل قواه العظمى بانهم ليسوا فقط رموزا وطنيين بل رموزا عالميين.
“الرئيسة” من وجهة نظر مريديها انطلقت في حقيقة الأمر من قانون العدالة الانتقائية ” الذي خطّه مجلس تأسيسي على انقاض دستور 1959 و الذي هو صنيعة المجلس القومي التأسيسي مجلس الاستقلال و البناء , هذا صحيح , و لكن لكل سفينة مقود يعدّل به القائد اتجاهها اذا ما انحرفت و اتجهت بمن عليها نحو جُرف هار , فهل سفيتنا لا مقود لها ؟ ام ان القائد لم يستوعب بعد مخاطر أفعال “الرئيسة” ؟ ام ان القيادة تفرقت بين اكثر من قائد واحد ؟
نحن لا خوف علينا من كتابة ” الرئيسة ” للتاريخ بقلمها المنحاز و المنحرف لاننا درسنا تاريخنا و تربينا على خصال زعمائنا و حفظنا الأمانة و عززنا مكاسب هؤلاء الأبطال و الزعماء و لكن المستقبل في خطر , عقول ابنائنا في خطر , اوليسوا هم من سيُدرّسون لهم التاريخ بقلم “الرئيسة” ؟ ألن يصف قلمها الحبيب بورقيبة على انه “مجرم” دون رحمة ؟ و ان الاستقلال الذي ناضل من أجله “مزيّف” و أن السياسة المالية لـ”داعش” أفضل بكثير من السياسة المالية لتونس ( كما قيل ذات يوم على لسان “مدوّن” في حضرة الرئيسة و في مقرها الموقر المقدّس).
الفنان رجاء فرحات أبدع بـ ” بورقيبة السجن الأخير” و هو سجن دُنيويٌ ادانه الجميع معارضين قبل البورقيبيين , اما الرئيسة فتخطط لسجن أبدي للحبيب بورقيبة سجن ” ما بعد الأخير” سجن لا أبواب له و لا نوافذ , لا استئناف فيه و لا نقض , سجن يسلب للزعيم سنوات المنافي و السجون الفرنسية , يسلب للزعيم سنوات “الجهاد الأكبر” ضد الفقر و الجهل و الامراض.
ان تُعارض الحبيب بورقيبة سياسيا فذلك سُنّة الديمقراطية , أن تُعارض الزعيم الحبيب بورقيبة في خياراته الاقتصادية و التربوية و الصحية و الاجتماعية فذلك امر للشعب القول الفصل فيه عبر صناديق الاقتراع و لكن ان تُطلقوا “”قلم “الرئيسة ” بما يتميز به من انحياز و انحراف و انتماء فانكم بذلك تفتحون الأبواب مشرّعة امام تحريف التاريخ على أساس نتائج الصندوق الذي لا ضمانة فيه لأي طرف , تاريخ الحبيب بورقيبة هو تاريخ تونس و مناضليها نساء و رجال.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP