الجديد

حركة “النهضة”: “من الجماعة الى الحكم”، الاسلاميون والثوة – تصدر المشهد السياسي / 9 من 30/

منذر بالضيافي
بعد قيام الثورة، في 14 جانفي 2011 وسقوط نظام الرئيس السابق بن علي، وبرغم محدودية مشاركتهم في الثورة، كما سبق و أن أشرنا في المقال السابق، فقد سجلنا عودة قوية للتيار الإسلامي، وكأن سنوات الإقصاء بل الاجتثاث- التي استمرت أكثر من عشريتين – لم تزد الجماعة إلا قوة وانصهارا وتشبثا ب “الفكرة” و “التنظيم”.
في تأكيد سوسيولوجي مفاده أن الحركات الاجتماعية لا يمكن القضاء عليها أمنيا. ما جعلها تبرز التيار الأكثر تنظما وانضباطا، والمتوحد حول رؤية واضحة و”قيادة ملهمة” – وهي من الشروط الضرورية لقيام الأحزاب كما بين ذلك الفيلسوف الايطالي أنطونيو غرامشي في كتابه الشهير “دفاتر السجن” – . وبالتالي الأقدر على الهيمنة على الحقل السياسي بسبب الفراغ الذي خلفه حل الحزب الحاكم السابق، وضعف ومحدودية انتشار المعارضات اليسارية والعلمانية.
وان كان بعض المحللين يرجعون هذه الحالة إلى نجاح النظام السابق في تهديم البنية التحتية السياسية، وإحداث الفراغ السياسي. فانه يفسر أيضا بالضعف البنيوي – الفكري والتنظيمي- للحركات السياسية، الأمر الذي جعل من تواصلها مع المجتمع أمرا في غاية الصعوبة. ويجد مثل هذا التفسير سنده في طبيعة تفاعل هذه الحركات مع الانتفاضة التي تحولت إلى ثورة. حيث اقتصر دورها على متابعة نسق تطور الأحداث والاكتفاء بإصدار البيانات، وعدم الانخراط في المجهود النضالي للفاعلين الاجتماعيين الذين قادوا الثورة.
وينسحب هذا على كل التنظيمات والحركات السياسية بما في ذلك الإسلامية. ونستثني من هذا المشهد الاتحاد العام التونسي للشغل، وتحديدا قياداته الوسطي والقاعدية وكذلك الجهوية – على خلاف القيادة المركزية التي كانت مرتهنة عند النظام- .
مع ذلم فان اتحاد الشغل كان حاضرا في كل مراحل الثورة، من الاحتضان إلى التأطير، لتصبح بذلك المنظمة الشغيلة –وخاصة تراثها الرمزي والنضالي- طرفا في القيادة وتبني المطالب، والتوسط بين شباب وفعاليات الثورة. في استمرار جلي وواضح لموقع المنظمة الشغيلة في تاريخ تونس الحديث، من النضال ضد المستعمر أثناء مرحلة الحركة الوطنية، إلى تأسيس دولة الاستقلال أو الدولة الوطنية.
حيث لم يقتصر دور المنظمة الشغيلة على المطلبية الاجتماعية، بل تعداها الى لعب دور أساسي في الحياة السياسية لتونس الحديثة. وهذا ما حرصت قيادات المنظمة الشغيلة على استمراره بعد الثورة، وخلال كامل مراحل الفترات الانتقالية، حتى أثناء حكم النهضة الاسلامية.
وترجم ذلك بشكل واضح من خلال رعاية الاتحاد لمبادرة الحوار الوطني في 2013. التي اقترحت خارطة طريق لحل الأزمة السياسية التي فجرها اغتيال النائب محمد البراهمي في ذكرى عيد الجمهورية -25 جويلية 2013-. والتي قبلت بها حركة النهضة، برغم أنها تنص صراحة على تعهد الحكومة التي ترأسها بالاستقالة لصالح تشكيل حكومة كفاءات وطنية.
بالعودة الى تصدر النهضويين للمشهد السياسي بعد الثورة، نشير الى أن حركة النهضة استطاعت أيضا، وبعد تمكنها من الاندماج في الحياة السياسية وتحولها الى فاعل رئيسي فيه، أن تحسم معركة الهوية العربية الإسلامية لفائدتها، وهي الساحة الأساسية التي استثمرت فيها الحركة أهم جهودها وحققت فيها أهم إنجازاتها.
والتي لاحظنا أنها لعبت دورا أساسيا في تحقيق الفوز الانتخابي الكبير لحزب النهضة، في انتخابات أكتوبر 2011، ووصولها إلى حكم تونس خلال المرحلة التأسيسية، نسبة إلى المجلس الوطني التأسيسي، الذي كلف بحكم البلاد وبإعداد دستور الجمهورية الثانية في تونس.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP