الجديد

التحوير الوزاري: حل للأزمة أم هروب للأمام؟

كتب: منذر بالضيافي
في مشهد سياسي يسيطر عليه “الغموض”، من الطبيعي أن تنشط “التسريبات”، التي لا يستبعد أن تكون غايتها الأساسية، تتمثل في “جس النبض”، وبالتالي قياس درجة وطبيعة التفاعلات وردود الأفعال، خاصة بين الفاعلين السياسيين، الذين تتسم العلاقات في ما بينهم باتساع كبير في منسوب “أزمة الثقة”، برغم طغيان مفردات توحي بعكس ذلك، مثل “المصلحة الوطنية” و”التوافق” و “الشراكة”.  أخر هذه “التسريبات”، التي عرفت – ولا تزال – انتشارا واهتماما كبيرين، تلك المتصلة بعزم رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد، ادخال تعديل أو تحوير على تركيبة حكومته الحالية. فهل يكون “التحوير المنتظر” حل للأزمة التي تعصف بالمجتمع وبمؤسسات الدولة أم أنه سيكون “هروبا للأمام” ؟
الحديث عن التحوير الوزاري ليس بالجديد في الواقع، فهو مطلب “قديم” من خارج ومن داخل الفريق الحاكم، وذلك بسبب الحصيلة السلبي للحكومة، خاصة في الادارة السياسية للملف الاقتصادي، فضلا عن تدهور الخدمات الأساسية وتدهور المقدرة الشرائية، وهي كلها مقدمات لحصول “قلق اجتماعي”، لابد من استباقه على الأقل للحد من “خطورة” تداعياته، في ظرف داخلي واقليمي يتسم ب “الهشاشة” و “عدم الاستقرار”.
لكن، يبدوا أن الغاية من التحوير الوزاري في هذا التوقيت بالذات أو “الان وهنا”، تكمن بالأساس في طلب “تجديد الشرعية”، وفي حالة حصول ذلك، فانه يعتبر بالنسبة لرئيس الحكومة وحزامه السياسي والبرلماني، بمثابة اعلان عن  حل للأزمة السياسية التي دخلت فيها البلاد منذ أكثر من نصف سنة، أزمة عنوانها الرئيسي الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية، بين الرئيس الباجي قايد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، وبالتالي فان تمرير التحوير سيكون أفضل وسيلة لإعلان “كسب المعركة” واغلاق القوسين، وبداية “عهد جديد”، كما أنه سيمثل “استجابة ذكية”  لمطلب ملح في  “العودة للبرلمان”.
لعبة “الحسابات” داخل البرلمان، تشير الى أن رئيس الحكومة لن يجد صعوبة في تمرير “التحوير المنتظر”، على غرار تمريره سابقا لوزير الداخلية، خاصة بعد تكوين كتلة وازنة وداعمة له (كتلة الائتلاف الوطني) ، واستمرار التحالف مع “النهضة” التي ما زالت “تتمترس” وراء موقفها الداعم ل “الاستقرار الحكومي” ينضاف اليها امكانية قوية لالتحاق كتلة “الحرة”، وبناء عليه فان وضعية رئيس الحكومة حسابيا تبدوا “مريحة”  تحت سقف “قبة باردو”.
غير أن هذا لا يخفي تخوفات لدى ساكن القصبة، مردها بالأساس وجود “ضبابية” في العلاقة بالشريك الرئيسي معه في الحكم، ونعني هنا حركة “النهضة”، التي تعرف حالة مخاض داخلية في علاقة بمستقبل ترتيبات المشهد السياسي، وانها مع تمسكها المعلن ب “الاستقرار السياسي والحكومي” وما يعنيه ذلك من دعم ليوسف الشاهد، الا أنها ما زالت لم تحسم أمرها في “فك الارتباط” مع ساكن قرطاج، وهذا ما ألمحت اليه بوضوح كبير في بيان مجلس الشورى الأخير، حيث قال رئيس مجلس شورى حركة النهضة، عبد الكريم الهاروني، في تصريح نشر على صفحة الحركة على فيسبوك ”أن مجلس شورى النهضة المنعقد اليوم السبت 20 أكتوبر 2018 في دورته 23، كلف رئيس الحركة راشد الغنوشي بإجراء جملة من المشاورات بدءا برئيس الجمهورية ثم مع رئيس الحكومة وكل الشخصيات والأحزاب والمنظمات للبحث عن توافقات للخروج من الأزمة الحالية التي تعيشها البلاد”..
ما أكد عليه “شورى النهضة”، يشير الى أن الحركة لا تعتبر “التحوير الوزاري” مدخل لحل الأزمة السياسية، التي تفترض بالنسبة للنهضويين الدخول في “مشاورات واسعة تفضي الى توافقات واسعة أيضا”، تمكن من الخروج من الأزمة ومن ادارة ما تبقى من العهدة الانتخابية الحالية. كما أكد بيان “الشورى” على أن الحركة “ليست طرفا في الصراع الدائر بين القصبة وقرطاج”، وهو توضيح نوعي ولأول مرة تتضمنه بيانات الحركة ومواقف مؤسساتها، وفي ذلك رسالة لقرطاج بأنها مع “احياء توافق الشيخين”، وهنا أشير الى أن موقع “التونسيون” علم بوجود “مساع جارية لاصلاح ذات البين بين الشيخين”، وأن الخلاف بين الشيخين “شخصي وذاتي” ويمكن تجاوزه “في لقاء مصارحة” بينهما، وفق تأكيدات جهات نافذة في حركة “النهضة”.
في هذا السياق، إعتبر مقال نشر مؤخرا بموقع ميدل ايست آي البريطاني عن الأزمة السياسية في تونس  “ان اغلب التحاليل السياسية العالمية تؤكد ان تونس تعيش فترة اعادة ترتيب للسلطة”، حيث قال ميشال العياري وهو محلل في مجموعة الأزمات الدولية crisis group للموقع البريطاني “ان التوافق لم ينته بين العلمانيين و الإسلاميين فالخلاف بين الشيخين يمكن قراءته بين السطور على انه خلاف شخصي و ليس فض ارتباط كلي بين الطرفين السياسيين و الكرة الآن تحت قبة البرلمان لتحديد مستقبل التحالفات و المشهد ضبابي خاصة ان كتلة النداء البرلمانية منقسمة و لم ترجح كفة على اخرى إلى حد الآن على الاقل”.
بالعودة، الى التحوير الوزاري لابد من ربطه بمصير رئيس الحكومة، الذي تطلب منه أغلبية القوى السياسية المؤثرة في البلاد وخاصة حركة “النهضة”، تطلب منه توضيح “نواياه السياسية”، كشرط اساسي لتحديد طبيعة التعامل معه، وهنا تضع النهضة – وهي تلتقي مع جهات أخر ى- شرط ضرورة حيادية الحكومة القادمة، بما في ذلك رئيسها عن الاستحقاقات الانتخابية القادمة، المبرمجة للسنة القادمة، الرئاسية والتشريعية، وهو شرط ما زال رئيس الحكومة لم يجب عنه بكل “وضوح”، ما يجعل كل الترتيبات بما فيها خاصة التحوير الوزاري متوقفة على الحسم في هذا الشرط. كما بعض قيادات “النهضة” أبدت وبصفة علنية “تخوفات” من تمشي رئيس الحكومة في ادارة الاوضاع وذهبت حد التعبير عن “تخوفاتها من “توظيف للإعلام ولأجهزة السلطة في الحراك السياسي”.
ما يدعم فرضية أن “التحوير المنتظر” نواياه وأغراضه سياسية في علاقة بالاستحقاقات الانتخابية القادمة، هو تأكيد جل المتابعين للمشهد، من سياسيين وخبراء اقتصاديين، على أنه قبل سنة من موعد الانتخابات لا يمكن الحديث عن حكومة اصلاحات، وأن أي حكومة سوف تأتي، ستكون مطالبة بتصريف الأعمال والعمل ما أمكن لها على ايقاف سيناريو انزلاق  الأوضاع خاصة الاقتصادية والاجتماعية، نحو المزيد من الانهيار. وبالتالي فان رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، مطالب أكثر من أي وقت مضى بتوضيح ما يريد فعله، ففي حالة اختيار الشاهد التنافس في الاستحقاقات القادمة، فانه سيكون مضطرا للاستقالة وبالتالي التفرغ لمشروعه السياسي، بما يسمح بتحييد مؤسسات الدولة وجعل المنافسة عادلة بين مختلف مكونات الساحة السياسية، فضلا على أنه خيار سيمكن من الذهاب نحو تشكيل حكومة مستقلة، تكون أحد أفضل الخيارات للخروج من الأزمة السياسية المعقدة والمربكة والتي تمددت أكثر من اللزوم.
يذكر أن مجموعة الأزمات الدولية International Crisis Group (ICG)، كانت قد تطرقت في تقرير شامل الى الوضع السياسي في تونس، في تقرير نشرته في أوت 2018، عبر موقعها الرسمي على الانترنت، حيث تطرق التقرير  لما أسماه بـ”الأزمة الحكومية” و ”الوضع السياسي المشحون”، وألمح إلى أسباب الأزمة ومآلاتها والحلول الممكنة للخروج بتونس من ”النزاع الحاصل بين القوى السياسية”..
التقرير عاد على بداية  الأزمة السياسية في تونس، وعدّد الإحتمالات الممكنة لإنهاء ما إعتبره ”إنقساما” قد يؤثر على ثقة القوى العالمية، خاصة منها المالية، في تونس، حيث خلص المقال لأن الحل الأوحد لإنهاء الأزمة  يتمثل في الذهاب نحو تشكيل حكومة من التكنوقراط لخلافة يوسف الشاهد في تسيير الأوضاع خاصة على المستويين الإقتصادي و المالي، مع تفرغ الأحزاب السياسية للتحضير للإنتخابات الرئاسية المرتقبة في 2019”.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP