الجديد

قيس سعيٌد: الأرقام وحدها قد لا تكفي

محمد الصالح مجيد
وحدها الأرقام لا تخطئ لا تعادي ولا تجامل.. تمضي بثبات إلى أقصى المعاني والدلالات فلا ينكرها إلا جهول أو مكابر… وما عداها في لغة السياسة والاقتصاد لغو وتزجية فراغ ما أحوج كل سياسيي تونس إلى ملئه بالأفعال وتصوٌر البدائل ..
لقد حصل المترشح للرئاسة “قيس سعيٌد” في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها على عدد من الأصوات فاق عدد كلٌ الناخبين الذين صوٌتوا في الانتخابات التشريعية!!! .. وحصل في بعض الدوائر على ما يفوق نسبة 90%من أصوات الناخبين دون أن تتسلٌل أياد إلى الصناديق لتزوٌر ولتكيٌف النتائج حسب المزاج العام للحاكم..
وتحرٌكت في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها نسبة كبيرة من المستقيلين انتخابيٌا وغير المنتظمين سياسيٌا للمشاركة ومنح الثقة لرئيس جديد لم يُعْرَف عنه أنه انتمى إلى حزب رغم كل ادعاءات الجموع المتحزٌبة..
وما يلاحظ هو ان المستقلٌين الذين تحرٌكوا عن قناعة بحثا عن التغيير الحقيقي قد انسحبوا في اغلبهم من مهرجانات الفرح في حين تجنٌدت أحزاب انهزمت بلغة الارقام لتغطية فشلها بقيادة كل مظاهر الفرح
إذن بهذه الأرقام القياسية المتصاعدة من صناديق الاقتراع يتأكٌد أن لا فضل لأيٌ حزب في صعود “قيس سعيٌد”…والدليل انه لو حذفنا عدد الناخبين المنتمين للنهضة او للحزب الحر الدستوري أو للتيار الديمقراطي او لقلب تونس أو لليسار بشقوقه سيكون هذا المترشح رئيسا حتى ولو تكتلت هذه الأحزاب ضدٌه!!! ….
وما نراه في الساحات العامة إثر الإعلان عن نتائج سبر الآراء محاولة من بعض الأحزاب للحاق بالركب وادٌعاء أبوٌة ابن ليس من صلبها …لقد كان الفصل الثاني من الانتخابات الرئاسية فرزا شعبيا رسالتُه واضحة : رفض المكونات السياسية الموجودة برمٌتها.ودون استثناء .فهذا الناخب الذي تحرٌك منتفضا أشاح بوجهه عن كل الزعماء السياسيين الذين ملؤوا الساحات ضوضاء وجلبة وأسقطهم من غربال فرزه فرفض مرشح اليمين و اليسار و الوسط ودعاهم بلغة الأرقام إلى حزم حقائبهم ومغادرة الساحة فمنهم من فهم الرسالة وأعلن انسحابه ومنهم من يواصل العناد والمكابرة رغم إدراكه خطورة السقوط من علوٌ شاهق ….
على أن ما حصل في تونس لا يختلف كثيرا عما حصل في فرنسا منذ سنوات حين وصل ماكرون” إلى قصر الإيليزيه عبر رافعة سياسية جديدة انتصرت على التياريْن العريقيْن في فرنسا بخطاب قريب من الشباب جاء على لسان وجه جديد لم تشوٌهه السياسة
لقد قال الشعب كلمته في تونس… ووجه رسائل واضحة وصريحة إلى النخب السياسية المعتٌقة وإلى الإعلاميين المتمترسين في البلاتوهات التلفزية وإلى كلٌ من يخطر له أن يهتم بالشان العام . من هذه الرسائل أن الأحزاب بيمينها ووسطها ويسارها لم تعد قادرة على إقناع الجيل الجديد بخطابها وممارساتها .لكن هذا لا يعني أن هذه الجموع تكره العمل السياسي وترفض الانخراط فيه بل هي كارهة لكل الوجوه السياسية القديمة التي تتخذ من الشرعية النضالية عصا تتوكأ عليها لبسط نفوذها وسلطانها …
ففي داخل حركة النهضة تعالت أصوات الرفض لهيمنة “راشد الغنوشي” وعائلته على الحركة ولأول مرة تجرأ نهضاويون من الصف الأول على نقد قرارات “الشيخ” علنا وخارج أطر الحركة. كما خيٌر نهضاويون آخرون الانسحاب تدريجيا رغم ما يعرف عنهم من انضباط…
وما نتائج الانتخابات التشريعية إلا فرصة أخيرة منحها الناخب النهضاوي للقيادة كي تعدٌل مسارها في أقرب الآجال.. لكن ما كان لهذه الفرصة أن تتحقق لولا تشرذم العائلة الوسطية وإصابة زعمائها بمرض الأنا المتعالي كذبا وتورما.
ألم يعلن الشعب في الاستحقاقيْن بلغة الأرقام انه لا يريد نهضاويا في الرئاسة وأنٌه لايريد منح الحركة تفويضا بقيادة المرحلة الجديدة بأغلبية مريحة!!؟؟؟ …
اما في “نداء تونس” فقد تفرٌق شمل الجماعة بمجرٌد ان ظهر ابن الرئيس في صورة الوريث الذي اتٌخذ من الحزب أصلا تجاريا ..وتابع التونسيون فصلا هزليا من صراع “حافظ” وجماعته و”يوسف” وأنصاره انتهى بالأول مشرٌدا في باريس والثاني منهزما في الاستحقاقين الرئاسي ومتهاويا في الانتخابات التشريعية..
وبموت الباجي قائد السبسي مات المشروع وانهار البناء…أما في صفوف اليسار فقد ظهرت اصوات رافضة لحمة الهمامي الذي احتكر النضال والخطاب لمدة نصف قرن وفشل في كل الاستحقاقات الانتخابية دون ان تصاحب هذا الفشل دعوة صريحة إلى استخلاص العبر وفسح المجال لجيل جديد يغير الاستراتيجيات ويتخلٌص من الخطاب المتكلٌس الذي لم يعد يتماشى مع الثورة الرقمية والتجارة الإلكترونية التي حولت العالم إلى سوق مفتوحة رغم أنف الحكومات المركزية..
فهل هناك أبلغ من نسبة “صفر فاصل تعبيرا عن رفض الشعب لهذا التيٌار وعن ضرورة تعجيل القيادة القديمة بالانسحاب استعدادا للعودة بخطاب جديد وبوجوه جديدة!!؟؟؟ يتضح من خلال الأرقام ان الشعب يرفض هذه النخبة السياسية القائمة ويريد لها ان تنسحب بشرف فاسحة المجال لجيل جديد خال من الشعوذة الأيديولوجية يمارس السياسة بطرق عصرية بعيدا عن خطاب المكر والخديعة وموظفا لكل طاقات البلاد دون محاصصة حزبية مسقطا لكل الحواجز الأيديولوجية التي حرمت البلاد من حسن استغلال كفاءاتها..
الشعب قال نريد وزيرا كفءا بصرف النظر عن انتمائه تأسيسا لحكومة تونسية وطنية تسقط فيها الألوان تقوم على استغلال من ينفع في مجاله لا على المحاصصات الحزبية التي أضرت بالبلاد
لكن هل ادرك هذا الشعب أنه منح لرئيس تفويضا مباشرا دون ان يكون له سند في مجلس النواب ما قد يعطل تحقيقه لانتظارات ناخبيه ويحوٌله إلى سجين عند الائتلاف المتحكٌم في السلطة التنفيذيٌة ؟؟؟

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP