الجديد

قيس سعيد .. الرئيس المستقل    

سيف الدين العامري
بعد بلوغ الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية و إنتخاب السيد قيس سعيد رئيسا للجمهورية التونسية بأغلبية ساحقة و بالديمقراطية ، في ما يشبه الاستفتاء الشعبي، نحتاج لقليل من الموضوعية و الهدوء، من أجل  قراءة طبيعة الشخص في مؤسسة رئاسة الجمهورية، و من وراء مكتب الرئيس في قصر قرطاج.
قيس سعيّد لن يكون ” طرطورا ” جديدا كما كان المرزوقي و كما يروج البعض و لن يكون رئيسا سياسيا كالمرحوم الباجي قائد السبسي ، بل سيكون رئيسا دستوريا يتحرك ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية بكل دقة و لن يكون ليّنا كما يعتقد البعض.
قيس سعيّد لا يحتاج اليوم لإثبات أنه مستقل ، فالمكان الطبيعي للأحزاب السياسية الداعمة له في الدور الثاني بارز جدا و جليّ من الدور الأول و هو حقيقة مستقل عنها جميعا ، من حركة النهضة إلى حركة الشعب مرورا بالتيار الديمقراطي وصولا للوطنيين الديمقراطيين.
كما أنه وضّح علاقته ببعض القوى الأخرى المحسوبة على الإسلام السياسي المتشدد مثل ائتلاف الكرامة و لجان حماية الثروة و غيرها .
الرئيس الجديد ، لا يحتاج للحديث عن شرعيته و مشروعيته ، فلقد أنتخب ب 3 ملايين تقريبا و هو ثقل إنتخابي معنوي يجعله بشرعية و مشروعية يمكن له إثباتها في أي لحظة احتاج ذلك ، و هنا يكمن مربط الفرس.
سيكون لقيس سعيد مبادرات يقدمها للبرلمان و سيكون للبرلمان مواقف عديدة من هذه المبادرات في إطار اللعبة السياسية الخاضعة لمنطق التوازنات السياسية و التي سيعيشها البرلمان بكتله و ال” موزاييك ” السياسي و الإديولوجي التي تجتاحه .
و المتوقع هو أن ترفض بعض هذه المبادرات ديمقراطيا من قبل نواب الشعب ، و هنا لرئيس الجمهورية حق مخاطبة الشعب و توضيح بعض المسائل و منها موقفه من رفض هذه المبادرات ، و يكون ذلك على الأقل مرة كل شهر ، و هنا البرلمان و الحكومة بضعفهما الجماهيري سيكونان تحت رحمة كلمات السيد سعيّد ، و هنا يجدر الإشارة الى أن الأحزاب التي ستشكل الحكومة و على رأسها حركة النهضة باعتبارها الحزب الفائز بأكثر عدد من مقاعد مجلس النواب ، ستكون تحت قبضة لسان الرئيس الذي يستطيع تحريك الشارع ضدها.
الوضع الصعب و الحقيقي ، سيكون بالنسبة لحركة النهضة التي ستشكل الحكومة و التي لن تكون قوية جماهريا و سياسيا ، فدور قيس سعيّد في قرطاج سيكون تفعيل الدور الدستوري لرئيس الجمهورية و هو ما لم نراه مع المرحوم قائد السبسي باعتبار طغيان دوره و طابعه السياسي ، و هذا الدور الدستوري سيجعله في بعض الأحيان يلعب دور المعارض الشرس ، أقوى من كل الأحزاب الممثلة برلمانيا و الغير ممثلة و يستمد هذه القوة السياسية من ثقله الإنتخابي و من قاعدته الإنتخابية التي قدرت بعدد أصوات ناخبي نواب البرلمان.
و من هنا نستطيع فهم جزء من مبررات موقف حركة النهضة في الدور الثاني للرئاسية ، هي تريد امتصاص السيد قيس سعيد ليكون جزءا من غطائها السياسي بثقله الشعبي و الانتخابي ، أي أنها تريد الاحتماء به في الأزمات السياسية و الاجتماعية التي ستواجهها .
عموما ، كل الأحزاب تقريبا التي دعّمت السيد سعيد ، تبحث اليوم عن هذه الحماية السياسية و الشعبية و لا أعتقد أن الرئيس القادم يجهل ذلك و هو الذي يكرر و يذكر في كل مرة أنه كان مستقلا و اليوم مستقل و سيبقى مستقلا إلى أن يرث الله الأرض و من عليها.
نحن في انتظار خطاب رسمي للرئيس قيس سعيد من تحت قبة باردو عند آداء اليمين الدستورية أمام نواب الشعب و من قصر قرطاج لنفهم أكثر ما يحمله الرجل داخليا و خارجيا و مواقفه و سياساته العامة و الخاصة ، فالحملات الانتخابية عموما جزء منها لعب على عواطف العامة من الناخبين ، فالأكيد أن المسؤولية من قصر قرطاج تجعل متحملها أكثر اتزانا و وضوحا خاصة عند الاصطدام بالواقع الإقليمي و الدولي.
سيف الدين العامري_

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP