الجديد

مخاطر التحريض والانقسام المجتمعي

هشام الحاجي
انعكس المناخ الاجتماعي المتسم بالاختناق و التدهور و تراخي اداء اجهزة الدولة التي فقدت نجاعتها على الحملة الانتخابية التي ابرزت ما يعتمل في نفوس قطاعات واسعة من التونسيين و التونسيات من شعور بخيبة الامل و من امتعاض و قلق من الحاضر و من تخوف من المستقبل الى جانب تراجع كبير في مصداقية الاحزاب و الطبقة السياسية .
هذه الخلفية “السياسية” تمثل الى جانب حالة الاحباط المعمم و الاحساس بالحرمان الشامل و انعدام القدرة على اشباع الحاجيات و الرغبات ارضية ملائمة لتحويل طاقات الجماهير نضيف الى هذه المكونات خطابا سياسيا تبسيطيا يقوم على بناء تقابل “انطولوجي” بين ابناء المجتمع الواحد ليجعل من البعض تجسيدا للخير المطلق و من البعض الاخر نموذجا للشر المحض و على اعطاء صورة مثالية للمناصرين تتوفر الارضية الخصبة لكل “الانزلاقات الممكنة ” و يصبح الوقوع في متاهة العنف و الكراهية و البغضاء سهلا و لا يحتاج الا الى “قادح ” بسيط قد يتمظهر في خطاب طهوري و مثالي .
اذا كان “الزمن الانتخابي ” يوفر ارضية لظهور خطاب يحمل بذور الانقسام المجتمعي خاصة في ظل ضعف المؤسسات التعديلية على فرض القانون و وضعية ” الهشاشة الشاملة ” و لان الانتخابات تمثل من الناحية السوسيولوجية موعدا لإعادة توزيع السلطة و الهندسة الاجتماعية بما يؤدي الى توزيع الثروة و المكانة و الراسمال الرمزي و هو ما يفرض البحث بعد انقضاء “الزمن الانتخابي ” عن القواسم المشتركة .
لا شك ان الانتخابات الرئاسية و التشريعية التي عشنا على وقعها على امتداد شهرين قد وفرت “مجالا ” لبروز خطاب الكراهية و العنف الرمزي خاصة و ان البعض قد اعتقد ان هذا الخطاب قد يمكنه من اخفاء ما في سياساته من اخفاق و عجز عن الانجاز .
لكن ما يمثل امرا يدعو للانزعاج و القلق هو تزامن ظهور نتائج الدور الثاني للانتخابات الرئاسية مع حملات تحريض اقل ما يقال عنها انها منظمة و موجهة ضد بعض وسائل الاعلام كقناة “الحوار التونسي” و ضد بعض الشخصيات السياسية و المنظمات الوطنية.
رغم ان قيس سعيد لم يوظف في حملته الانتخابية خطابا متشنجا و لم يحرض ضد اي طرف و لكن استقلاليته و تخطيه الدور الاول من الانتخابات الرئاسية جعل من “التقرب” منه و محاولة احتوائه الرياضة المحببة لعدد من عشاق الشعارات و من الذين لا تزيد الثورة عندهم عن تحريض ضد الجميع و فتحت الباب امام امكانية توظيف بعض الاجهزة و الاحزاب التي تقف على نقيض قيس سعيد و يكون بعضها قريبا من محيط السلطة السياسية و اللوبيات لصورة قيس سعيد من اجل تصفية الحسابات.
و خاصة من اجل خلق توترات تعيق مؤسسة الرئاسة و ايضا الحكومة القادمة و مجلس نواب الشعب و يبدو ان الشباب الذي اطلق اليوم حملات نظافة جماعية و مبادرات تضامنية هو اقرب الى قيس سعيد و خاصة الى قيم الثورة بوصفها فعلا ايجابيا من محترفي “التصعيد اللفظي ” و معتنقي الافكار التي تمثل في عمقها تبنيا لأيديولوجيات فاشية .
قد يكون صمت قيس سعيد عن بعض انزلاقات مناصريه خلال الحملة الانتخابية محكوما بالحاجة الى الاصوات و لكن منصبه كرئيس للجمهورية بما يعنيه ذلك من واجب العمل على حماية التماسك المجتمعي و الوحدة الوطنية يدعوه للتدخل من اجل نزع فتيل العنف و البغضاء الذي قد يتحول الى نار حارقة تماما.
كما يدعو الهيئات التعديلية و خاصة الهيئة العليا المستقلة للاعلام السمعي-البصري للتدخل لان الايمان بحرية الاعلام لا يمكن ان يكون باي حال من الاحوال مدعاة لاستهداف المختلفين معنا في الراي و لان الاعلام لا يمكن ان يكون فوق النقد و التعديل و لان التحريض سواء انتشر في الحقل السياسي او في الحقل الاعلامي هو علامة ازمة و تخلف و لا يمكن ان يكرس الديمقراطية لأنه نقيضها اذ بقدر ما يخاطب التحريض العواطف و المشاعر و الانفعالات و يخلق حالة “طاعون انفعالي ” بقدر ما تحتاج الديمقراطية الى النقد بوصفه انعكاسا لقدرة العقل على الفعل و الانجاز.
هشام الحاجي
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP