الجديد

يوسف الشاهد….خسارات و مستقبل

المهدي عبد الجواد
يوسف الشاهد، لا احد كان يعرف الرّجل في شهر اوت من سنة 2016، وحتى اكثر الناس معرفة به، كانوا يعتقدون ان أقصى ما قد يبلُغُه قد تحقّق إذ صار وزيرا، لكن طموحه والأقدار كانت أكبر من ذلك بكثير، ليتحول الى حاكم للبلاد، في أهم منصب تنفيذي في الحكم، رئاسة الحكومة . اليوم و هو يجمع ملفاته، و يُنظّم مكتبه للرحيل من قصر الحكومة بالقصبة، الذي شغله لأكثر من ثلاث سنوات، يفتح يوسف الشاهد لنفسه طريقا طويلا آخر مليئا بالتحديات.
فرض يوسف الشاهد نفسه، لاعبا رئيسيا في الساحة السياسية طيلة ثلاث سنوات، فهو الذي كان يحتكر تقريبا كل السلطات ومجالات الحُكم في تونس، و كان في قلب الفعل السياسي. فقد انقسمت الساحة منذ تفجّر الخلاف بينه و بين نجل الرئيس و “حزبه السابق” (نداء تونس) إلى فريقين، أنصار الشاهد وخصومه.
صحيح ان الكثير من خصوم الشاهد لم تكن تربطهم صلات كبيرة بالنداء و “شقوقه و تفريعاته” و لكن مصالح الكثيرين اجتمعت موضوعيا للإطاحة به، وترجم ذلك بوضوح الجو العدائي الذي هيمن على الحملة الانتخابية الرئاسية، التي دارت تقريبا حول محور”الإطاحة بيوسف”.
و هنا يُحسب للشاهد، انه استطاع ان يُدير في خضم هذه المعارك الإعلامية و السياسية و الاجتماعية دفة السلطة دون ان يتعطّل معها المرفق العام، و قد خرج رغم كل “التخمينات” أقوى مما دخل الى الحكم.
لقد دخل يوسف الشاهد قصر الحكومة، مرشّحا للباجي بعد وثيقة قرطاج الاولى، و هو في تقدير”مناطق النفوذ” شاب يسهل توجيهه و التأثير عليه في قراراته وتنقصه الجرأة و الخبرة.
تسلّم السلطة ضعيفا، إذ كان عليه ان يُوازن بين ممثلي الأحزاب و المنظمات المشاركة في الحوار الوطني، ورئاسة الجمهورية و البرلمان، و التي سرعان ما انقلبت عليه و ناصبته العداء طيلة ثلاث سنوات تقريبا.
و ظل موزعا بين احزاب متناحرة و منظمات وطنية متنافسة، و دون سند إعلامي او حزام سياسي. وها هو يُغادر القصبة، وراءه تجربة في الحكم ثرية، و له حزب سياسي و كتلة برلمانية “محترمة”، يخرج قويا و قد انتصر على خصومه، و تجرّأ على المافيا و اللوبيات الإعلامية، و لم يخضع لأية تسويات وعمليات ابتزاز. يخرج و قد صار رقما مهما، يتساءل الناس داخل البلاد و خارجها على مستقبله السياسي.
ان الخيارات أمام الشاهد اليوم أفضل بكثير مما كانت عليه قبل توليه رئاسة الحكومة. والفرص المتاحة اوسع وأهم. ولكن التحدي الأكبر الذي سيُطرح عليه، وفي القريب العاجل، هو كيفية التحول من التحرك كرئيس حكومة، مسؤولا أولا على مصالح الدولة و تسيير دواليبها، الى زعيم حزبي، قادر على الفعل السياسي من خارج دائرة السلطة.
هو تحدي تاريخي حقيقي، و فرصة لن تُتاح ليوسف الشاهد مرة أخرى. فمثلما تحمل الأخبار السيئ، فإنها تأتي معها بما هو ايجابي. فبقدر ما تبدو مغادرة السلطة بمباهجها و “وهرتها” والهيبة المُحيطة بها مؤلمة، فان مغادرة القصبة اليوم، أمر مُريح جدا للشاهد.
انه يتخلّص من حمل ثقيلة أوزاره ومن مسؤولية عظيمة، تحمّلها بشغف ومسؤولية وخاصة بصبر”عجيب” على الأذى. انه يُغادر الحُكومة و لا يُغادر في تقديرنا الحُكم. إذ دخله سنة 2016، و لن يخرج منه قريبا. و سيظل فاعلا فيه و بقوة. و أهم محطات الفعل، هي التوجه نحو بناء الحزب، الذي سيُعبّر على الطيف الديمقراطي التقدمي.
فقد كانت ابرز نتائج الانتخابات التشريعية هي نهاية الأحزاب التي اصطلح على تسميتها بـــ”الاحزاب الوسطية”، كما أنهت الانتخابات الرئاسية مجموعة كبيرة من “الزعامات”. و ليوسف الشاهد اليوم فرصة، لإعادة تنظيم هذا الشتات و صياغة هذا المشروع الوطني.
تبدو العناصر المساعدة كثيرة، إذ علاوة على تجربة الحُكم، و الدربة على ادارة الصراعات و المعارك، فان ليوسف الشاهد حزبا ممثلا في البرلمان، و يُمكنه من خلاله المحافظة على التواجد السياسي و الحزبي و التشريعي، و له العديد من الكفاءات التي خبرت ادارة الملفات و قيادات حزبية شابة متعطشة للفعل السياسي و الحزبي، كما ان له شبكة علاقات داخلية و خارجية مهمة، يُمكنها ان تكون عنصر دعم قوي له، سياسيا و ماديا.
و لكن عناصر القوة هذه لا يجب ان تحجب علينا الكثير من المعرقلات، لعل اهمها حزب تحيا تونس نفسه.
فقد تأسس الحزب على السلطة، و اندفعت اليه جحافل من “المتعودين” على السلطة و منافعها، هؤلاء لا نعتقد انهم سيمكثون كثيرا في تحيا تونس، بل نعتقد ان كثيرون منهم يقف الآن منتظرا امام مكاتب احزاب السلطة الجديدة.
و رغم ان المشروع تم تأسيسه حول يوسف الشاهد، و رغم ان الامين العام سليم العزابي هو صفيّ الشاهد و محل ثقته، فان نفوذ الشاهد، بعد مغادرة القصبة سيكون ضعيفا. فقد تشكل الحزب تنظيميا بعيدا على عيون الشاهد، و على متابعته المباشرة. و سيجد يوسف الشاهد نفسه، مجبرا على اعادة النظر في كل شيء، و نعتقد انه سيغرق في تفاصيل الحزب اليومية، و مشاكله التنظيمية التي لا تنتهي، خصومات و تنافس على التموقع في كل الجهات و كل المستويات.
وهو ان غرق في ذلك، سيُضيّع على نفسه اولا و على الساحة الديمقراطية ثانيا فرصة تحويل الحزب الى قاطرة لغيرها من “شقوق” الديمقراطيين والى قطب تجميع لــ “دياسبورا الديمقراطيين” المشتتة و المتعطشة للتنظيم الحزبي القادر على اعادة صياغة المشروع الوطني، الذي يُجدد الدولة و يُصالح بينها و الثورة و الديمقراطية، و يُصالح خاصة بين المشروع الاصلاحي الوطني و شباب تونس.
انه التحدي الاكبر، و سيكون على يوسف الشاهد ان يفتح حوارا مباشرا و جديا و دون شروط، مع الكثير من الاسماء التي ناصبته العداء و هو رئيس الحكومة، سيكون عليه ان يتعالى على “جراحه الذاتية” و ان يكون متسامحا في “حقوقه الشخصية” متجاوزا لما ناله من أذى من كثيرين يملؤون ساحة “الديمقراطيين” الفارغة.
يُغادر يوسف الشاهد القصبة، و قد بدأ مستقبله بالأمس. مستقبل يتجاوز الشخص، ليقترن بمشروع يتجدّد وبجيل جديد.  يبدأ المشروع أخلاقي و يقوم على إعادة بناء الثقة و التواصل. هي التحديات المُمكنة، في عوالم السياسة، تحديات تجعل يوسف الشاهد يتجاوز “الخسارات” ليبدأ منها مشروع المستقبل.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP