الجديد

مشروع ميزانية 2020 .. اعادة انتاج الفشل !  

علاء حافظي
لا يجد المرء أدنى صعوبة في استحضار المؤشرات و الأدلة التي تؤكد أن السنتين القادمتين ستحملان صعوبات كبرى للمجتمع التونسي في ظل جمود التنمية و بوادر القطيعة مع المؤسسات الدولية المقرضة و المانحة و تردي الخدمات و غيرها من المؤشرات التي اصبح التونسيون يلمسونها و يرونها بالعين المجردة.
و يبدو أن حكومة يوسف الشاهد التي فشلت فى عدة مجالات أرادت أن تترك و هي تتأهب للرحيل حصيلة فشلها و خاصة “قنبلة موقوتة ” تتمثل في ميزانية الدولة للسنة القادمة. قد تتذرع حكومة يوسف بأن الظرف الإقتصادي و السياسي لم يسعفها بما يكفي من الوقت للبحث عن آليات أخرى لتعبئة الموارد و أن عدم اعتماد إعداد الميزانية حسب الأهداف هو الذي اجبرها على اعتماد مقاربة محاسبية تعتمد الانطلاق من النفقات الضرورية و البحث عن مصادر تمويل لهذه النفقات.
لكن هذه التعلة كانت مدخلا لإعداد ميزانية ستكون ذات تداعيات إقتصادية و إجتماعية شديدة الخطورة خاصة و أن نذر العاصفة تبرز في توقع تنامي الإحتجاجات و في إرتفاع التضخم و الركود شبه الكلي في إحداث مواطن الشغل.
مشروع الميزانية الذي ابقته حكومة يوسف الشاهد يواصل تبني مقاربة زيادة النفقات دون أن يضع في المقابل آليات لدعم الإستثمار و الادخار الوطني أو يفكر في بعث مشاريع كبرى من شأنها أن تكون محركا حقيقيا للنمو.
و لا تقف “خطايا ” مشروع ميزانية الدولة للسنة القادمة عند هذا الحد بل تتعداه إلى ما هو أشد خطورة و هو إغراق قطاع الصناع و خاصة الصناعات المعدة للتصدير و هو ما يعني خلق صعوبات اضافية لقطاع تأثر سلبيا بالصورة السلبية لتونس في مجال الاستثمار و بظهور دول منافسة في المنطقة إلى جانب تداعيات الفصل 37 من قانون المالية لسنة 2019 الذي قام بإلغاء النظام الجبائي التفاضلي و اعتمد الفصل 18 لنفس القانون إعتماد نسبة ضريبة على الشركات قدرها 13.5 بالمائة من المرابيح
و قد حددت الصناعات القطاعات المعنية به بناءا على رقم المعاملات الجملي المحقق من التصدير دون الأخذ بعين الاعتبار نسبة القيمة المضافة المحلية لهذه القطاعات و دون تنزيل نشاطها في المنوال الإقتصادي التونسي في الفترة القادمة و لا تنافسية هذه القطاعات على المستوى الدولي.
و قد بررت الحكومة ذلك بانها اقترحت نسبة لا يمكن تصنيفها كنسبة ضعيفة حتى تتجنب تونس أن تصنف كجنة ضريبية. و عند تقديمها الفصل 26 من مشروع قانون المالية لسنة 2020 اشارت الحكومة إلى أن هذا الفصل يندرج في إطار برنامج منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية الذي انخرطت فيه تونس للتصدي للتهرب الضريبي عن طريق تآكل القاعدة الضريبية و تحويل الأرباح
و لكن الرجوع إلى المعيار المتعلق بشرط الجوهر الإقتصادي المعتمد من طرف المنظمة المذكورة يبرز أن هذا الشرط  يطبق على الدول التي لا توظف أي ضريبة أو تفرض ضريبة تافهة علما أن قاعدة الضريبة طبقا للتشريع الجبائي التونسي تتجاوز 13.5بالمائة.
ومن ناحية أخرى و في إطار ما يمكن اعتباره استهدافا ممنهجا للنسيج الصناعي التونسي فإن إجراءات قانون المالية لسنة 2020 يخلق منافسة غير شرعية بين المؤسسات المنتصبة منذ عدة سنوات و تلك حديثة العهد التي لا يمكنها تشغيل عدد كاف من الأجراء المختصين و تهدد عدة مجالات قادرة على أن تكون ذات قيمة مضافة مرتفعة و هو يمس من تنافسية المؤسسات التونسية خاصة على المستوى الإقليمي
و يستهدف المؤسسات الناشطة في قطاع الخدمات اللوجستية لفائدة المصنعين و خاصة منهم الأجانب و هو خاصة دعم ضمني لشروط الجانب الأوروبي في علاقة باتفاقية التبادل الحر و المعمق “اليكا ” و قد يدفع الشركات المصدرة في هذا المجال إلى تكوين فروع في الخارج خاصة و أن وزارة المالية قد اصمت أذانها عن مطالب رجال الأعمال بتعميم نسبة ضريبة ب13.5 بالمائة موحدة لجميع القطاعات الصناعية و الخدمات و مكاتب الدراسات و المهن الحرة باعتبار مساهمتها بصفة مندمجة في المنتوج التونسي و إعتماد تصنيف الأنشطة طبق التصنيفة الموحدة للانشطة التونسية.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP