الجديد

الأحزاب التونسية تحت الضغط العالي لانتخابات 2019

الصادق الصغيري *
مهما حاول الفاعلون السياسيون التونسيون، على اختلاف توجهاتهم اظهار الهدوء والرصانة في التفاعل مع الاحداث والأزمات التي تمر بها البلاد، و التدثر بمقولات المصلحة العامة والتحذلق في اخراج المواقف السياسية بكونها “مبدئية”، وتعكس “القيم الحزبيّة” ،  فان ذلك لا يصمد كثيرا امام الامتحانات اليومية، وخط الممارسة على ارض الواقع، فتظهر الاجندات الصحيحة والنوايا الخفية وجميعها تحشد القوى الذاتية والموضوعية للاستحقاق الانتخابي، الذي ستدخله البلاد في شهر أكتوبر 2019، والذي لم يعد يفصلنا عنه سوى 52 أسبوعا.
انتخابات ستكون بمثابة امتحان تستشعر كل الأحزاب خطورته، لأنه لا استئناف بعده، وفيه تكرم الأحزاب او تهان او تمحى من الاذهان. كل الأحزاب من “نداء” و”نهضة” و”جبهة” و”تيار” و”مسار” و”شعب”… وغيرها كثير تعرف نقاط ضعفها، وهو ضعف يشترك فيه الجميع ويضم الجميع وهو غياب البرامج المفصلة والواضحة التي يمكن ان تخرج التونسيين من معاناتهم اليومية.
وعوض التجاوز والانكباب على بلورة البرامج يتم الهروب الى اثارة المعارك الأيديولوجية واستحضار التاريخ البعيد والقريب، ليحمى وطيس المعارك ويفر المواطنون الى داخل منازلهم ليشاهدوا المسلسلات الاجتماعية، وبرامج الازقة الخلفية لنسيان ما يعانونه من صعوبات ومشاغل في حياتهم اليومية.
كل الأحزاب تراجع رصيدها الانتخابي بما يزيد عن النصف، بل ان بعضها انمحى من الخريطة الانتخابية تماما. عكست التوصيات التي خرجت بها حركة النهضة من ندوتها السنوية الثانية والمنعقدة نهاية الأسبوع الماضي ان الحركة قد عبأت محيطها المحافظ ولا يمكنها تحقيق خرق لجلب أصوات جديدة خلال استحقاق 2019 الا بالتحرك نحو الوسط وتعميق خطابها الاجتماعي، وهو خيار سياسي في ظاهره صائب ودللت على وجاهته الانتخابات البلدية الأخيرة ولكنه يتعرض في تنزيله الى صعوبات جمة ابرزها ضمور الزعامات ذات البعد الاجتماعي داخلها لغلبة البعدين “الهووي” والسياسي.
وفي الازمة الأخيرة التي نتجت عن تصادم راسي السلطة التنفيذية لاحظنا ان رأيين طغيا على الجدل داخلها ( حركة النهضة ) وهما الوقوف مع الشاهد او الوقوف مع الرئيس، ولكن الراي الغائب هو الوقوف المحايد وذلك بالبحث عن مصلحة منظوري الحزب والطبقة الاجتماعية التي يمثلها. .
اليسار الممثل في الجبهة الشعبية اختار بدوره استراتيجية للتعاطي مع استحقاق 2019 ويمكن تجميعها من الندوة الصحفية التي نظمتها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وما تبعها، وتقوم على تسليط اكبر ضغط ممكن على حركة النهضة ومحاصرتها ما امكن، ولا ترى الجبهة خيارا لتسجيل الحضور الا على انقاض ما تفتكه من ناخبين مفترضين لحركة النهضة.
اما النداء ممثلا في “شقه الحافظي” وليس “المحافظ” فقد اختار العودة الى خطة 2014 او ما يعرف بالانتخاب المفيد وهو خيار يتأسس على تعميق التناقض مع حركة النهضة، وما البيان الأخير الصادر عن الديوان السياسي المدين لمواقف رئيس حركة النهضة في اكثر من نقطة الا “مشطرة” من الخطاب المنتظر خلال الأسابيع والاشهر القادمة.
بقية الأحزاب بمختلف تموقعاتها وتوجهاتها لا تبتعد كثيرا عن خيار الاكتفاء بالنقد والاحتجاج اللغوي وافتكاك ما يمكن افتكاكه من موائد المتصارعين الأساسيين وبما يسمح به قانون اكبر البقايا. هل ذلك كل ما في الساحة؟.
طبعا لا، بل ان اللاعب الأساسي لم يتشكل بعد، هذا اللاعب تنتظره الساحة الانتخابية ليملا المكان الذي تركه نداء تونس، وهو قادم على مهل ولا يمكن ان يكون بعيدا عن كتلة الائتلاف الوطني بمجلس نواب الشعب وعن رئيس الحكومة يوسف الشاهد والمحيطين به.
ويبقى السؤال هل ستنجح الأطراف السياسية في هندسة خريطة الناخبين قبل الموعد المحدد، ام ان الكلمة الفصل للناخبين لهندسة المشهد السياسي التونسي الجديد وبما لا يمكن التكهن به؟ كل الدلائل تشير الى ان المشهد عصي عن التطويع.
 

  • اعلامي وناشط سياسي

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP