الجديد

النادي الافريقي و العقد الإجتماعي الجديد

هشام الحاجي
لم تعد العلاقة بين الرياضة و السياسة في كل تمظهراتها في حاجة إلى جهد لاثباتها. و لا احتاج بدوري إلى التخفي وراء موضوعية لا وجود لها حين أتحدث عن النادي الافريقي و أن كنت ملتزما في المقابل بان لا اتعسف عن المعطيات و أن أنطلق مما هو موضوعي للقيام بقراءة لا تخلو من ذاتية.
تعيش تونس حاليا على وقع تفشي الشعور بالإحباط مع ما يؤدي اليه من عدم الإيمان بالمستقبل و رفض كل شكل من أشكال العمل الجماعي و ما يشبه الايمان بانتظار الكارثة و “القيامة الارضية”. في هذا المناخ أطلق احباء النادي الافريقي مبادرة من اجل جمع مساهمات مالية لإنقاذ جمعيتهم من براثن الفيفا.
هذه المبادرة حققت على المستوى المالي أكثر مما كان متوقعا منها و كانت مناسبة لوقائع من الإيثار و التضحية و الانخراط الجماعي التي تعددت بما يجعلها تتخطى الحقل الرياضي لتكشف عن مكامن يمكن تحريكها من اجل رسم طريق يخرج تونس و شعبها من حالة الإحباط و انسداد الأفق التي تنزلق تدريجيا في متاهتها.
و من خلال استقراء تاريخ النادي الافريقي يتضح أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بأهم التحولات التي شهدها المجتمع التونسي و أن النادي الافريقي غالبا ما لعب دورا في رسم طريق أهم التحولات لأن هذه الجمعية حافظت على جذوة المقاومة التي رافقت مخاض التأسيس.
انخراط احباء النادي الافريقي في جمع المساهمات جاء لمعالجة تساوق أمرين و هما فساد في التسيير اغرق الجمعية في الديون و هو “إرث ” تركه سليم الرياحي للهيئة الحالية التي تأكد عجزها عن معالجة الوضع بل زاد تسييرها المرتبك و الذي لا يخلو من شبهات الطبن بلة. نفس الأعراض تعاني منها تونس التي طوقها الفساد و عجز النخب و جعلها تغرق في الديون و في الفساد و سوء التصرف.
ما قام به احباء النادي الافريقي فيه التقاء حول مشروع إنقاذ و تطوير و هو ما يمثل موضوع كل عقد اجتماعي يغلب المصلحة العامة. و تونس في أشد الحاجة اليوم إلى عقد اجتماعي يوقف الانهيار و يضع قيما و مبادىء يلتقي حولها التونسيون.
و لا يمكن لأي عقد اجتماعي أن ينجح اذا لم ينبن على تغليب المصلحة العامة و الإيمان بضرورة تقديم التضحيات و الابتعاد عن البحث عن المنفعة الشخصية و عن التموقع و هذه القيم تبرز في حملة المساهمات التي أطلقها احباء النادي الافريقي.
تضحية بأموال اقتطعت من مصاريف العائلة و تضحية بالضروري دون انتظار مقابل و دون سعي للظهور أو تسجيل الإسم و هذا هو السلوك الذي يخرج الشعوب من ازماتها. حملة المساهمات قطعت مع ترقب أن ياتي المال من الاحباء الأثرياء و خلقت حالة من المساواة الاعتبارية بين الجميع كرسها شعار “احنا كباراتها ” مع ما يعنيه من تحمل للمسؤولية المواطنية و المجتمعية و هو ما يمثل محرك كل عقد إجتماعي هدفه إعادة بناء تونس و ارساء نموذج جديد.
احباء النادي الافريقي اشاروا أيضا إلى أن تكريس الشفافية هو قاعدة العقد الإجتماعي الجديد لأن المواطن التونسي لا يثق في مبادرات مماثلة إلا اذا كان التصرف في الأموال التي يقع جمعها شفافا و هو ما تكرس في هذه المبادرة التي كشفت عن نوع جديد من قادة الرأي العام لا شك أن لهم مثيلا في النسيج الجمعياتي التونسي و لكن تغييب الولاء على الكفاءة و المال الفاسد و التلاعب بإرادة الناخبين قد حال دونهم و التسيير.
الحملة قدمت عنصرا هاما للعقد الإجتماعي المنشود و هو ضرورة الاعتماد أساسا على الموارد الذاتية و تجنب الهدر و الأنفاق المشبوه و وضعت في قلب العملية عنصرا اساسيا و هو المحاسبة التي تعقب الإنقاذ لأنه لا يمكن بناء عقد اجتماعي جديد و لا إعادة مجد جمعية النادي الافريقي دون محاسبة كل من اعتدى على المال العام و على قيم الايمان بالمشترك التي يؤدي انتهاكها إلى تدمير النسيج المجتمعي.

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP