الجديد

حكومة الرئيس .. الحمل الكاذب !

منذر بالضيافي
فشل الائتلاف الحكومي المتكون من أربعة أحزاب ( النهضة، التيار الديمقراطي، حركة الشعب وتحيا تونس)، يعود في المقام الأول الى وجود أزمة ثقة كبيرة بين مكوناته، فضلا عن رغبة جامحة لدى هذه المكونات الحزبية، باستثناء النهضة في التخطيط للوصول الى “حكومة الرئيس”،  التي برزت للسطح دعوات لها منذ الاعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية، وتحمس لها في “العلن” خصوصا حركة الشعب، وعمل في “الخفاء” للوصول اليها رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد، الذي عمل باليل والنهار على مد الجسور والتواصل مع “فخامة” الرئيس قيس سعيد، وروج الى أنه أصبح محل ثقة ساكن قرطاج.
في هذا السياق، صرّح رئيس كتلة الاصلاح الوطني بمجلس نواب الشعب، حسونة الناصفي، الثلاثاء 24 ديسمبر 2019، في مداخلة على إذاعة “جوهرة” أنّ يوسف الشاهد بذل قصار جهده حتى يكون مرشّح رئيس الجمهورية ليواصل مهامه على رأس الحكومة. وأضاف الناصفي أنّ حزب تحيا تونس كان يعتقد أنّ يوسف الشاهد الشخصية الأنسب لتحلّ مكان الحبيب الجملي، إلاّ أنّ السيناريو الذي انتظروه باء بالفشل.
ولعل ما ساهم في التأكيد على هذا المسار، هو الدعوة المفاجئة أمس لرئيس الجمهورية، للأحزاب الأربعة، في محاولة منه لاستعادة المبادرة السياسية، والظهور في دور المجمع، وذلك بعد اعلان هذه الأحزاب ( التيار وحركة الشعب) عن رفضها التواجد في حكومة الجملي، ما جعل العودة للتفاوض مثيرة ل “الريبة” أيا كانت التبريرات التي قدمت لإعطائها مقبولية و شرعية.
لكن المحاولة الثنائية بين كل من الرئيس سعيد والأحزاب الثلاثة ( التيار وتحيا تونس وحركة الشعب) لإحياء فكرة “حكومة الرئيس” باءت بالفشل بل أنه تم اجهاضها من طرف الحزب المشكل للحكومة (حركة النهضة) ورئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي،
اذ كان رئيس النهضة حاسما في رفض مبادرة الرئيس مشيرا الى أن “الفرصة أصبحت من الماضي”، كما سارع رئيس الحكومة المكلف بدعوة الصحفيين في دار الضيافة ( على بعد أمتار من اجتماع الرئيس سعيد) وأعلن أماهم وعلى الملأ أنه قرر الذهاب لتشكيل حكومة كفاءات وطنية، ساحبا بذلك البساط من تحت الرئيس سعيد والأحزاب الثلاثة التي كانت “تخطط لافشلاله” عبر ربح الوقت، من أجل الوصول لما يسمى ب “حكومة الرئيس”.
فشل اجتماع قرطاج أمس ستكون له تداعياته على الحياة السياسية وعلى العلاقة بين مؤسسات الحكم، فرض الغنوشي للعودة للتفاوض مع الأحزب بمبادرة من الرئيس، يتجاوز مجرد رفض العودة للتفاوض مع الأحزب الثلاثة، الى كونه رسالة للرئيس بضرورة احترام النظام السياسي الحالي، وأنه نظام أقرب للبرلماني منه للرئاسي، فضلا عن كونه اشارة و دعوة من “الشيخ” لاحترام الدستور والصلاحيات والفصل بين السلطات، في اشارة ربما لملف العلاقات الخارجية، الذي نتوقع أن يكون محل اختلاف بين القصبة وقرطاج.
وهي مواجهة أولى بين سعيد والغنوشي، كان فيها الانتصار لبراغماتية الغنوشي على “أحلام” الرئيس الفاقد للتجربة السياسية، وبكيفية ادارة التفاوض السياسي،
ويتوقع أن يستمر هذا الصراع بعد تشكيل حكومة الجملي، خصوصا في ملف العلاقات الخارجية، الذي لا يتوقع أن يكون محل خلافات وتباينات كبيرة بين الشيخ الغنوشي وقيس سعيد، فالسياسة الخارجية التي يتصرف فيها الان سعيد كما يشاء ويده مطلوفة، لا يستبعد أن تنتهي مع قدوم الحكومة، فالدستور لا يعطي للرئيس مطلق التصرف في الساسة الخارجية، وفي العلاقات الدولية، بل أنها تتم بالتشاور وبالتفاهم والتنسيق مع رئيس الحكومة.
بالعودة لاجتماع قرطاج أمس، نشير الى أنه مثل أول اختبار  فاشل للرئيس قيس سعيد، في ادارة وتصريف شؤون الحكم، سيكون طبعا محل تقييم داخل فريقه الاستشاري، لمعرفة حقيقة التصرف في الواقع مستقبلا، والتي تخضه  لحقيقة موازين القوى وما ينص عليه القانون المنظم للشأن السياسي، وأن الفوز الانتخابي “الكبير” المنجز  يعود في جانب كبير منه، الى استفادة الرجل من ظرف موضوعي آنذاك، و لا يعد تفويض قانوني ودستوري له، لجعل الممارسة السياسية كما لو اننا في نظام رئاسي أو حتى رئاسوى.
كما أنه على الرئيس أن يكون مجمعا ورئيسا لكل التونسيين، وأن لا ينتصر لفئة على حساب الأخرى، مثلما برز وتأكد من خلال اجتماع قرطاج الأخير، اذ كان على الرئيس استدعاء كل الكتل البرلمانية الممثلة في البرلمان، لا الاقتصار على البعض منها و هو ما اعتبر بمثابة انتصار لفئة على حساب أخرى.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP