الجديد

الغياب عن برلين .. الفرصة الضائعة !

كتب: منذر بالضيافي
مثلما كان متوقعا فان قرار الخارجية التونسية، برفض الحضور في مؤتمر برلين، حول الأزمة الليبية، بحجة أن “الدعوة وصلت متأخرة”، أثار ردود أفعال بين مؤيد ورافض، وهو نقاش يندرج ضمن بروز “تخوفات” أصبحت دون مبالغة جدية، مردها وجود غموض في نشاط ومواقف الدبلوماسية التونسية، منذ وصول الرئيس قيس سعيد الى سدة الحكم، ما جعل البعض يذهب حد القول بأن بلادنا دخلت  في ما يشبه “العزلة” الدولية، في زمن هي في أشد الحاجة الى دبلوماسية نشطة ومنفتحة على الجميع.
في البداية، لابد من الاشارة الى أن الثلاثة أشهر الأولى، من حكم الرئيس سعيد عرفت تراجعا كبيرا وملحوظا في النشاط الدبلوماسي،  وهو ما جعل المراقبين يرجعونه الى وجود ما يشبه حالة “العزلة الديبلوماسية”، في قطيعة جذرية مع ما كان متعارف عليه، خلال فترة حكم الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، الذي عرفت الدبلوماسية التونسية في عهده حيوية، هي في الواقع بدأت حتى قبل وصوله لقرطاج، ونعني هنا فترة توليه مهام الوزير الأول خلال فترة الرئيس المؤقت فؤاد المبزع، وتأكدت بعد انتخابه رئيسا للجمهورية التونسية، فاستطاع الرجل توظيف كل “مهاراته الدبلوماسية”، التي اكتسبها منذ فترة اشتغاله وزيرا للخارجية زمن الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة.
لا نريد استنساخ الماضي بحسناته وسيئاته، لكن هذا لا يجب أن يحجب عنا وجود فراغ دبلوماسي من شأنه أن يضر بمصالح بلادنا، مهما كان المبررات والمسوغات كان على تونس الحضور في مؤتمر دولي حول ليبيا، ولعل ما يجعل حضورنا في مؤتمر برلين يرتقي الى “فرض عين” كما يقول الفقهاء، أنه ودون فلسفة يناقش موضوع في علاقة مباشرة بل عضوية بأمننا القومي وبمصالح شعبنا.
فالحديث عن كون ليبيا هي “عمقنا الاستراتيجي”،  ليس مجرد خطاب بل يجب أن يترجم في الواقع، من خلال وضع خطة أو استراتيجية حول “الشأن الجاري” في طرابلس، خصوصا بعد تدهور الأوضاع الأمنية، وبداية دق طبول الحرب، وما يستدعي ذلك من تنسيق مع كل الدول والقوى الاقليمية والدولية، التي دخلت على خط الأزمة الليبية بحثا عن مصالها، ونحن فضلا عن كونه لنا مصالح مهمة وكبيرة في ليبيا، وهي التي تعد الشريان الرئيسي لاقتصادنا، من حيث التبادل التجاري والعمالة، دون أن نغفل عن الروابط السوسيو ثقافية، التي تربط بين بلدينا خصوصا في الجنوب التونسي، المتاخم للحدود مع الغرب الليبي، والذي ارتبط مصيره ومعاشه بالتجارة البينية ب”حلالها” و”حرامها” (التهريب الحلال تحت أعين الرقيب الأمني التونسي).
بالمناسبة، نريد الاشارة الى أن مقاربة الملف الليبي من قبل ديلوماسيتنا، قد عرف الكثير من نقاط الضعف، التي ترتقي لدرجة الاهمال خلال فترة حكم الرئيس الراحل، الباجي قايد السبسي، اذ اقتصر الاهتمام على ما  يمكن وصفه ب “تسجيل موقف دبلوماسي” لا غير بما في ذلك المبادرة التي أطلقها الرئيس الراحل والتي تقوم على بحث عن حل في اطار محور دول الجوار، لكن في الواقع كانت الخلافات كبيرة بين عواصم دول الجوار ، التي كانت كل واحدة منها مرتبطة بمحور من محاور الصراع.
كما لم تتحرك دبلوماسية الرئيس الراحل، مستفيدة من ترأسه لجامعة الدول العربية، من أجل تجسير الفجوة بين المحاور العربية المتصارعة من جهة، والبحث عن أرضية التقاء بينها، وهذا في الواقع يتجاوز “الضعف الدبلوماسي” التونسي، الى أزمة النظام العربي الذي يعاني من الشلل، وأن مؤسسة الجامعة العربية وصلت مرحلة “الرجل المريض”، ولم تعد لقراراتها أي معنى وجدوى ناهيك وأن معظم الدول العربية أصبحت تتحرج من تنظيم “القمة” على أراضيها.
وبالعودة لمؤتمر برلين، الذي اختارت الدبلوماسية التونسية “المقعد الفارغ”، نقول أنها فوتت على الرئاسة الجديدة، فرصة من ذهب للالتقاء بزعماء العالم، وتقديم “العهد الجديد” برجالاته وسياساته، وتأكيد ثوابت دبلوماسيتنا في ما يتعلق بالانفتاح على العالم بتعدد أقطابه ومحاوره، حتى لا نكون متهمين بكوننا أصبحنا سجناء عند محور بعينه.
كما أن تونس اليوم، وبالنظر الى الأوضاع الاقتصادية الأكثر من صعبة، ونحن نباشر عجزا كبيرا في الميزانية وانهيار غير مسبوق، في كل المؤشرات والأرقام الاقتصادية، كان جزء من الحل يكمن في تنشيط دبلوماسية اقتصادية، دبلوماسية جريئة وحيوية، تقوم على الاتصال المباشر، الذي يكون اطاره الأمثل  المنتديات والقمم والمؤتمرات الدولية، مثل مؤتمر برلين، الذي “اعتذرت” تونس عن حضوره، فأضاعت فرصة نحن في أشد الحاجة اليها.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP