الجديد

البلاد ليست بحاجة إلى مجرّد حكومة..بل إلى حكومة قويّة؟

بقلم: خالد شوكات*
أخبرني أحد المشاركين في المؤامرة على الحبيب الصيد، أنّه والمجموعة المشاركة في المؤامرة كانوا بصدد البحث عن البديل، أي بديل، وإن الشرط الاساسي الذي يجب أن يتوفّر في هذا البديل لم يكن الموهبة القيادية أو الكفاءة السياسية أو الخبرة العملية، بل ان يكون قابلا للتمرير أمام الرأي العام، أي ان يكون “نكرة” بلا ماضٍ سياسي وبلا معارك أو خصوم يمكن ان يهاجموه بمجرّد الإعلان عنه، رجل ” لا يعرف البلاد والعباد” كما وصفه سي الحبيب الصيد نفسه في حضرة الرئيس الباجي رحمه الله بعد أن سأله رأيه في من تقرّر أن يكون خليفته.
عندما أعلنت “شورى النهضة” عن اسم المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، وهو على طيبته وأصالة معدنه رجل “نكرة”، بادرتُ الى مهاتفة احد الاصدقاء من قيادات الحركة العليا، ممن أثق في صدقه ورجاحة عقله وصواب تقديره، سائلا اياه عن سرّ هذا الاختيار العجيب، وما اذا كان اعضاء الشورى الموقرين قد اكتشفوا في الرجل مواهب جديدة استثنائية جعلتهم يقرّرون ترقيته من مجرّد كاتب دولة إلى رئيس حكومة يفترض به ان يكون زعيما للبلاد، فأجابني بما يلي:” أنت تعرف أن التنظيمات الحزبية ما تزال لا تطيق القادة الأقوياء”، ومن هنا كان علينا ان نضع مصير البلاد رهينة لمزاج الشورى او سواها، غير السوي وأن نقبل بقادة ضعفاء يؤتى بهم لأن تولّيهم الامور لن يغضبَ أحداً، وينتهي الامر بهم لاحقا إلى إغضاب الجميع. والحقيقة المرّة التي يجب أن نعرفها، وجلّنا يهرب أو يتهرّب من الاعتراف بها، أن مشكلة ديمقراطيتنا الناشئة تكمن في تأويلها هذا التأويل “المخاتل”، وجعلها عاجزة عن تولية القادة الحقيقيين الأقوياء واتخاذها مطيّة لتولية الضعفاء ممن يجري تصعيدهم ليكونوا واجهة لحُكَّام الخفاء، قبل أن يتمرّدوا على أولياء نعمتهم ويبادرون الى قتل آبائهم وتكليف المجموعة الوطنية ضريبة مغامراتهم غير المحسوبة ومفاجآتهم غير السارّة وطموحاتهم غير المشروعة.
استمعت الى الصديق القيادي الدكتور رفيق عبد السلام وهو يجعل من تزكية حكومة الجملي واجبا وطنيا، ومع كلّ خطأ في اختيار “الشخص الصح” تحضر مثل هذه المبررات الواهية، لنواصل عملية الهروب الى الامام وترحيل أزمة البلاد إلى من سيتولى المسؤولية لاحقا، وهي ذات العقلية الترقيعية التي أدارت الامور طيلة السنوات التسع الماضية وستنتهي حتما بالإطاحة بالجمهورية الثانية، لان الجمهورية الثانية – كما سيكتب التاريخ عنها لاحقا- جمهورية القادة الخطأ في اغلب الأحيان.
القادة الأقوياء ليسوا بالضرورة قادة مستبدين، وعندما استمع الى ترشيحات من سيترأس حكومة الرئيس المنتظرة ربما، أتحسّر مرة أخرى، لأننا مصرّون على الذهاب في النهج الخطأ، فرئيس الحكومة يجب ان يكون زعيما سياسيا في المقام الاول، زعيما مفوّها يستطيع ان يقود الشعب الى حلم التغيير والتقدم، ويستطيع تعبئة الاصدقاء ومواجهة الخصوم وخوض معارك الرأي العام، أما الموظف التابع الغلبان فلا يمكن الا ان يكون عبئا على سَيِّدِه الَّذِي ولّاه الامور خطأً.. جميع الذين تولوا قيادة تونس قبل الثورة وتركوا اثارا ملموسة كانوا قادة اقوياء.. الحبيب بورقيبة واحمد بن صالح والهادي نويرة ومحمد مزالي وزيّن العابدين بن علي.. جميعهم كانوا اقوياء، وغالبيتهم كانوا خطباء، خاضوا معارك وصادقوا وخاصموا وبنوا وأنجزوا، فلماذا نريد ان يترّحم ضعافنا على زمن ما قبل الثورة، وان يقيم الشعبويون الحجة علينا..

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP