الجديد

البلديات …هذه "الجمهوريات الاخرى"

كتب: هشام الحاجي *
لم يجد المجلس البلدي لمدينة المنستير غضاضة في اصدار بيان يتضامن فيه مع المدرب الوطني “المقال” فوزي البنزرتي لا لشيء الا لان الرجل اصيل مدينة المنستير. و لم يرف لعصام المرداسي جفن و هو يطالب بضرورة استبعاد اسم الطيب المهيري من ملعب صفاقس لان المهيري لا ينحدر من مدينة صفاقس.
و الى جانب هذين المثالين الصارخين فان اخبارا تتواتر بشكل يكاد يكون يومي لتشير الى ان “الحكم المحلي ” الذي تفتخر به نخب و اصحاب القرار لفترة ما بعد 14 جانفي 2014 قد يتحول الى لغم يستهدف جمهورية منهكة بالمشاكل الاقتصادية و بمأزق دستوري ليزيدها انهاكا.
فقد تحول شعار “الحكم المحلي” الى ما يشبه الواجهة التي تختفي وراءها اشكال الانتماء ما قبل وطني و تتسلل منها الاطماع الشخصية و المناطقية. و لا شك ان هذه النزعات لم تولد و تتدعم بين عشية و ضحاها اذ كان العامل الجهوي و المناطقي احد المحركات المعروفة للحياة السياسية التونسية منذ مرحلة ما قبل التخلص من الاستعمار الفرنسي سنة 1956 الى حين سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي سنة 2011 .
لكن الطابع الابوي للنظام السياسي السابق و “مركزيته ” المفرطة مكنت من ابقاء “مارد الانفصال المناطقي و الجهوي ” في القمقم و لم تترك له من مجالا ل”التنفيس ” عن نفسه الا على هامش المقابلات الرياضية.
لا شك ان العيب ليس في نظام الحكم المحلي في المطلق بل في السياق الثقافي و السياسي الذي تنزل فيه. فقد تكرس على انقاض نظام سياسي مركزي اعتبر -عن صواب او عن خطأ – سبب كل “المآسي” التي تعيشها تونس و السبب الرئيس لكل اشكال التفاوت الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي التي عاشتها البلاد و ادت الى انهيار النظام.
لم ينبن “الشغف” بالحكم المحلي على دراسة موضوعية بل تغذى من تهويمات بعض المنظرين و من “الترويج ” الذي قامت به بعض المنظمات و المؤسسات الاجنبية التي ابدت حماسا منقطع النظير لتكوين و تدريب النخب السياسية الجديدة  و كان “الحكم المحلي” من اهم محاور التكوين و التثقيف.
يضاف الى ذلك ان الخطاب السياسي لأغلب الفاعلين المؤثرين في المشهد السياسي التونسي يقوم في جانب كبير منه على “شيطنة الدولة الوطنية” و هو يجعل “النخب المحلية ” في حل في مستوى التكوين و الاحالة المرجعية ” من كل ما يربط بالدولة الوطنية . و لا شك انه من الصعب تنزيه كل الذين ترشحوا للمجالس البلدية من حضور الاعتبارات الذاتية من حيث البحث عن المنفعة او الوجاهة و هو ما يجعلهم اكثر تفاعلا مع “الرؤى الجزئية و المحدودة ” للناخبين و للسكان في ظل سياق لا يخلوا  من الاحتجاجات المحلية و المناطقية العنيفة و من ميل لاعتماد الشعارات الثورية غطاءا لإشباع نزعات موغلة في الانانية الفردية او الجماعية.
و طالما غضت الاحزاب السياسية الطرف عن هذه “الانزلاقات” فان انحرافات فهم الحكم المحلي ستتفاقم الى الحد الذي تكاد فيه البلديات تتحول الى “جمهوريات اخرى”
 

  • اعلامي وباحث في علم الاجتماع

 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP