الجديد

الجزائر تحتفل في باريس !

هشام الحاجي
اراد التقويم ان يتزامن فوز المنتخب الجزائري لكرة القدم ببطولة افريقيا للأمم مع احتفال فرنسا بعيدها الوطني . و اذا كان حضور الاشقاء الجزائريين المعروف في فرنسا قد منح الاحتفالات بالثورة الفرنسية بعدا جزائريا من خلال احتفالات الجالية الجزائرية بالترشح فان هذا التزامن يعيد التذكير بسياق ولادة المنتخب الجزائري لكرة القدم في منتصف خمسينات القرن الماضي .
كانت هذه الولادة مرتبطة بمسار النضال البطولي الذي خاضه الجزائريون من اجل نيل الاستقلال . و قد اقر مؤتمر “الصومام” الذي عقدته جبهة التحرير الوطني الجزائري سنة 1956 تعزيز ادوات التأطير و التعبير عن الانتماء من خلال تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين و الاتحاد العام للطلبة المسلمين .
و في سنة 1958 و مع تطور المواجهة مع الاستعمار الفرنسي فكر محمد بومرزاق و هو احد زعماء جبهة التحرير في تشكيل منتخب جزائري لكرة القدم . هذه الفكرة  كانت وليدة مشاركة بومرزاق في المهرجان العالمي للشباب الذي احتضنته موسكو سنة 1957 و الذي التقى فيه بعدد من لاعبي كرة القدم الجزائريين الناشطين في البطولة الفرنسية لكرة القدم و الذين كانوا من نجوم البطولة الفرنسية و غذتها بالدرجة الاولى سابقة رياضية تمثلت في ان منتخبا من لاعبي المغرب العربي يمكن يوم غرة نوقمبر 1954 من هزم منتخب فرنسا في مقابلة اقيمت تضامنا مع مدينة الشلف التي ضربها قبل ايام زلزال اودى بحياة 1460 ساكنا.
هذه المقابلة جعلت محمد بومرزاق يقف عند دور كرة القدم من حيث رفع الروح المعنوية للجزائريين و كسر كل حواجز التردد و الخوف امام المستعمر . و ارتبط تأسيس المنتخب الجزائري لكرة القدم بتوجيه “صفعة معنوية و امنية ” للمستعمر الفرنسي من خلال نجاح محمد بومرزاق في اقناع 15 لاعبا جزائريا ينشطون في البطولة الفرنسية المحترفة بالفرار من فرنسا و الالتحاق بالحكومة المؤقتة التي اتخذت من تونس مقرا لها .
لا يمكن الحديث عن هذه “الصعفة ” دون التوقف عند الدور الذي لعبه اللاعب محمد معوش و زوجته جديجة معوش في الاتصال بهؤلاء اللاعبين و في اقناعهم بالمشروع الوطني . لقد تعلل محمدة معوش بزفافه ليحصل على رخصة لقضاء شهر العسل من جمعيته “ملعب ريمس” مدتها 48 ساعة كرسها رفقة زوجته للاتصال ببقية اللاعبين الذين ابدوا حماسا لافتا للاتحاق بصفوف الثورة . اعد احد مساعدي محمد بومرزاق 15 وثيقة سفر مزورة سلمها لخديجة معوش التي سلمتها للاعبين .
هؤلاء تركوا كل ما يملكون من اموال و مكاسب في فرنسا و غادروا صحبة ابنائهم و زوجاتهم الى سويسرا و منها تكفلت جبهة التحرير الوطني بضمان ايصالهم الى تونس .
و حين تفطن العالم في منتصف افريل 1958 الى ان عشرة من ابرز لاعبي البطولة الفرنسية لكرة القدم قد التحقوا بالثورة الجزائرية هز الخبر كل العالم و اصاب فرنسا بهزيمة سياسية و رياضية و هي التي تستعد للمشاركة في نهائيات كاس العالم لكرة القدم التي احتضنتها السويد صائفة 1958 و كانت تعول على مشاركة مصطفى الزيتوني و رشيد مخلوفي و عبد العزيز بن تيفور و عبد الرحمان بوبكر في صفوفها و لكن هؤلاء تركوا المجد الزائل و استجابوا لنداء الوطن و الواجب .
تحول منتخب جبهة التحرير لكرة القدم الى اداة من ادوات التعريف بالثورة الجزائرية و كسب التعاطف و التأييد لها من خلال الانتصارات التي حققها و هو ما جعل فرنسا تضغط على “الفيفا” التي رفضت منحه العضوية في ماي 1958 ثم قررت بعد تمكنه من اجراء اكثر من 80 مقابلة ودية تجميد عضوية كل منتخب وطني يواجه منتخب جبهة التحرير الوطني الجزائري . و اذا كان المغرب و مصر قد رفضا تحدي قرار “الفيفا ” فان تونس و ليبيا قد رفضا الاستجابة له و واصلا مواجهة ثوار الجزائر رياضيا و هو ما كلفهما تجميد العضوية في “الفيفا” .
فريق رشيد المخلوفي و مصطفى الزيتوني لعب دورا كبيرا في التعريف بالثورة الجزائرية و ارعب فرنسا رياضيا و معنويا و هو ما جعل فرحات عباس يصرح ان “هذا الفريق قد اكسب الثورة الجزائرية عشر سنوات ”
و استحضار هذه المعطيات يبرز ان الروح القتالية التي تحلى بها اللاعبون الجزائريون في “كان  2019” ليست غريبة بل هي موروثة من سياق التأسيس.
 
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP