الجديد

الخلاف بين بورقيبة و صالح بن يوسف .. دستوري – دستوري

ماجد البرهومي

من المؤكد أن الصراع اليوسفي البورقيبي هو صراع دستوري دستوري وقد تم حله بين الدساترة زمن بن علي الذي أعاد رفات الزعيم صالح بن يوسف الى تونس و كرم أرملته التي هي شقيقة المحامي والسياسي المرحوم فتحي زهير، أحد رجال بورقيبة، و الذي مارس الباجي قائد السبسي، البورقيبي، المحاماة في مكتبه بمجرد عودته إلى تونس من فرنسا وذلك قبل الاستقلال.

وفي هذا الإطار يقول الباجي قائد السبسي في كتابه الحبيب بورقيبة الأهم والمهم “وما أن حللت بتونس في 15 جويلية 1952 حتى تلقاني بالأحضان فتحي زهير الذي كان يدير مكتب محاماة مهما جدا. لقد عرض علي فورا الإنضمام إلى مكتبه حيث كلفت أساسا بقضايا المناضلين المحالين على المحكمة العسكرية. في أوج معركة المقاومة إذن كانت انطلاقتي في مهنة المحاماة أمام المحاكم العسكرية الفرنسية التي كانت تعمل في ذلك الظرف بكامل طاقتها.

أديت القسم يوم 3 أكتوبر وانطلقت على الفور في الترافع و بعد أسابيع قليلة إثر اغتيال فرحات حشاد يوم 5 ديسمبر اعتقل فتحي زهير بمعية زعماء آخرين. لقد كان فتحي زهير عضوا في مجلس الأربعين الذي شكله الملك يوم 1 أوت 1952 لاتخاذ قرار بشأن الإصلاحات التي اقترحها المقيم العام دي هوتكلوك وعمل جاهدا في اتجاه الرفض القاطع لخطة الإصلاح وأسهم في صياغة البراهين القانونية والسياسية المبررة لهذا الموقف. وفي 9 سبتمبر وجه الملك إلى المقيم العام رسالة رسمية لإبلاغه هذا الرفض. ومنذ ذلك الحين كان فتحي زهير يدرك أنه مستهدف من الشرطة. وقد اعتقل يوم 5 ديسمبر لدى خروجه من محكمة الوزارة. أما أنا فلم تكن لي التجربة الكافية في المهنة كي أتحمل مسؤولية إدارة واحد من أهم مكاتب المحاماة في تونس في أوج نشاطه. و لكن كبير الكتبة في المكتب الحبيب إدريس كان يؤازرني و يقدم لي مساعدة لا تقدر بثمن و كان زملائي من حولي يساندونني أيضا بحرارة”.

كما أذن بن علي بتسمية شوارع باسم صالح بن يوسف وأمر بالتنصيص عليه في كتب التاريخ المدرسية بمعية رفاقه اليوسفيين كزعماء ومناضلين شأنهم شأن البورقيبيين. وبالتالي، فإن الملف، برأيي المتواضع قد حسم في عهد بن علي ولا فائدة من العودة والنبش في الماضي خاصة وأن اليوسفيين، رحمهم الله، قتلوا أيضا من البورقيبيين في إطار الحرب الأهلية التي عرفتها البلاد والتي بات علينا واجب طي صفحتها. فقد قتلوا على سبيل المثال الحسين بوزيان يوم 26 مارس 1956 بعد 24 ساعة من انتخابه عضوا بالمجلس القومي التأسيسي وبعد اجتماعه مع أعضاء الجامعة الدستورية لتهنئتهم  بفوز الجبهة القومية، وقد حضر الحبيب بورقيبة جنازته وقام بتأبينه.

فجميع التيارات السياسية حصلت داخلها خلافات بما في ذلك حركة النهضة والدليل ما حصل لصالح كركر الذي توفي في ظروف مريبة، ويعتقد البعض أنه أزيح بفعل فاعل بعد كشفه لملف تعويضات خليجية لضحايا حركة النهضة لم تصل إلى أصحابها. وقد كان حريا بأبناء حركته الإهتمام بملفه عوض التنقيب في الخلافات بين الدساترة والمتاجرة بدم الزعيم صالح بن يوسف لتصفية الحسابات مع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.

ويكفي بشأن هذا الخلاف بين اليوسفيين والبورقيبيين ما دونه الباجي قائد السبسي بالقول أنه “من المفارقات الغريبة أنني دعيت يوما من قبل مناضلي شعبة المرسى لتلاوة الفاتحة على ضريح المرحوم الطيب المهيري بمناسبة ذكرى وفاته يوم 29 جوان بالمربع المخصص لزعماء الكفاح بمقبرة الجلاز بتونس، ففوجئت بمشاهدة قبر صالح بن يوسف بنفس المكان ملاصقا لقبر الطيب المهيري والمنجي سليم وأحمد التليلي ويوسف الرويسي والصادق المقدم فهزني هذا المشهد هزا و تذكرت قول أبي العلاء في قصيده الشهير:

رب لحد قد صار لحدا مرارا       ضاحكا من تزاحم الأضداد

و دفين على بقايا دفـــــــــين       في طويل الأزمان و الآبـاد

رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وقاوموا معا الإستعمار الغاشم وعرفوا معا السجون والمنافي، ولما اقتربت ساعة النصر تفرق جمعهم وحلت الفتنة والتشاجر محل التآزر والوئام ولم يجمع بينهم إلا الموت. رحمهم الله جميعا وكفى المؤمنين شر القتال”.

ختاما يجب أن يدرك المتاجرون بدم الزعيم صالح بن يوسف أنهم لن يكتبوا التاريخ كما يشاؤون وبحسب امزجتهم وأهوائهم، وعبثا يحاولون، لأن في هذه البلاد وطنيون هم نتاج دولة الاستقلال تعليما وصحة وحبا للوطن، وسيتصدون لهم كلفهم ذلك ما كلفهم. على هؤلاء أن يكتبوا تاريخ نشأة الحركات الاخوانية، وأن يتأملوا في مراحل حياة سيد قطب وحسن البنا لا من عاش على هذه الأرض من أمثال الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف.

صحيح أن بورقيبة لم يكن ديمقراطيا ولا ادعى يوما أنه كذلك، أو أنه حقوقي مدافع عن الحريات، و قد قام بإزاحة الكثير من خصومه السياسيين وصفى صالح بن يوسف و كثير من اليوسفيين الذين صفوا بدورهم بورقيبيين وذلك في إطار فتنة داخلية وحقبة سوداء من تاريخ البلاد، إلا أن منافسيه ومعارضيه في تونس لم يكونوا  بدورهم  ديمقراطيين ولا الديمقراطية كانت مطلبا في ذلك الوقت أو أولوية، ولا محيط بورقيبة العربي كان ديمقراطيا، ولا ستالين كان ديمقراطيا ولا ماو ولا انور خوجة ولا غيرهم من رموز اليسار الذين يسبح الرفاق بحمدهم..

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP