منذر بالضيافي

يشهد العالم من حولنا تحولات جذرية وعميقة سترسم عالم جديد، فوباء الكورونا الذي ادخل الانسانية في دوامة وكلفها خسائر بشرية واقتصادية، تفوق ما حصل في الحربين الكونيتين، سيحدث قطيعة ابستيمولوجية مع العالم الذي سبقه.

و اعني هنا تحديدا ” الانقلاب الرقمي” le coup d’état numérique ، الذي سيميز عالم ما بعد الكورونا عن الذي سبقه، وستكون ضحية هذا ” الانقلاب” دول العالم ما تحت الثالث ومنهم – للأسف – بلادنا تونس.

بلادنا التي تراجعت سنوات طويلة جدا للوراء، ولن يكون بمقدورها مسايرة نسق العالم الجديد الذي هو في طور التشكل وبدأت تبرز للعيان علاماته، والتي ستتأكد أكثر بعد انقشاع الوباء.

كما ان هناك ايضا تحولات جيو- بوليتيكية سترسم هي ايضا نظام اقليمي وعالمي جديد، وللأسف مرة اخرى، نجد ان بلادنا تونس لا مكان لها في ما هو بصدد التخطيط له، وما يجري في المحادثات العلنية وفي الكواليس الدبلوماسية.، التي تكتفي فيها تونس بالفرجة، في ظل لا غباب بل عجز وعطالة دبلوماسية غير مسبوقة.

تجري هذه التحولات بسرعة فارقة، وستكون تونس في وضعها الحالي، غير قادرة لا على مسايرتها ولا على التكيف معها، و في “غفلة” من “حكامنا الجدد” ، الذين تعوزهم الكفاءة والتجربة والبرنامج و لا يملكون ” عقل سياسي” قادر على فهم التحولات التكنولوجية ( ثورة الديجيتال) و الاستراتيجية الجارية.

هؤلاء الحكام  الذين عجزوا عن ادارة الشأن الداخلي، بما فيه من “أزمات صغيرة”، في الاصل مقدور عليها ، ويمكن التغلب عليها بل ممكن ايضا تحويلها الى “فرصة “، لو توفر الحد الأدنى من الوعي ومن الارادة السياسية.

في المحصلة، و مما تقدم فان القادم سيكون مخيفا وكارثيا، فالمقدمات لها نتائج ، كما هو معلوم، و ترجيحاتي لحصول سيناريو مخيف تواجهه بلادنا، ونحن نشاهد يوميا مراكمة للفشل والتخلف.

كما أن رجيحنا لسيناريو مزيد من الفشل والانهيار، هو  نتاج قراءة موضوعية للحوكمة التي تدار بها البلاد اليوم، والتي بعد 10 سنوات من التدمير الممنهج ، حولت تونس من بلد مرشح ليكون مثالا للرقي و التقدم الى آثار و خراب شامل.

كما ان استمرار حكم الهواة و الشعبوية، وتصاعد الصراع العبثي حول السلطة، والترويج لتصورات رجعية والصراع حول توظيف المقدس ( الدين)، كلها عوامل اصبحت تهدد وحدة المجتمع والدولة، و تمثل بالتالي مقدمة للفوضى و اللا استقرار، والتي ستجعل من بلاد قرطاج خارج التاريخ .