الجديد

خالد شوكات يكتب عن: "صراع البلايك وما وراءها"

بقلم: خالد شوكات
لنكن صرحاء..لا يشعر غالبية التونسيين بأن دولتهم المستقلّة العصرية الحداثية “النمطية” قد حقّقت لهم “المواطنة الكاملة الشاملة” التي تجعلهم فعلاً: “مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات” في “دولة مدنية تقوم على مبدأ التشاركية” مثلما نص على ذلك دستور ثورتهم الجديد، دستور 26 جانفي 2014.
يبدو ان ما تفوهت به السيدة زينب بن حسين “التجمّعية-النهضوية” رئيسة بلدية باردو العريقة، بشكل تلقائي/عفوي يعكس مرض العقل السياسي التونسي، هذا المرض الذي ظهرت – وما تزال تظهر- أعراضه الى السطح بين الفينة والأخرى، وخصوصا في المواسم الانتخابية، مبرزة ان الهوة ما فتئت تتسع بين ما نقول وما نمارس، وبين ما تتضمنه النصوص القانونية والدستورية وما تعكسه السياسات الحكومية الرسمية المتبعة.
عندما يحاول بعضنا اثارة مواضيع من قبيل التفاوت الجهوي او التفاوت الطبقي تقوم الدنيا ولا تقعد، على الرغم من ان كل ما يمارس ويسلك ويتبع واقعيا وعمليا ينضح بعقلية طبقية وجهوية ومناطقية صارخة، وخلاصة القول اننا لا نرغب في رؤية انفسنا عراة بسوءاتنا واختلالاتنا وأمراضنا، وهو ما يجعلنا نهرب من واقعنا الى الامام مفضلين المخدرات على الأدوية وخياطة الجرح بعفنه على جراحة حقيقية شافية.
المعركة الحقيقية التي أتت بها الثورة ليست مجرد اضفاء جرعة اكبر من “الديكورية” على “ديمقراطية” بن علي السابقة، على نحو نحافظ به على الخارطة الاقتصادية والاجتماعية الإقطاعية السابقة، ونجدد فيه للمنوال التنموي غير العادل الذي جعل من تونس تونسين ساحلية وعميقة، والذي جعل غالبية حكّام البلاد من منطقتين تقريباً، فهذا المسلك لن يفضي الا الى مزيد الإحساس بالغبن لدى فئات وشرائح وجهات واسعة، وسيقود في نهاية الامر وبشكل دوري الى قلاقل واضطرابات ومشاحنات بالتأكيد اننا لسنا في حاجة إليها.
هذا الذي أظهرته الى السطح بعبارتها العنصرية رئيسة بلدية باردو، مارسته المنظومة الحزبية والحكومية وما تزال تمارسه عمليا كل يوم، من حيث تركيزها على العناية بمناطق دون اخرى، ومن حيث تسليمها الامر لما اسماه البعض ب”الوجاهات الجهوية” او “الوجوه البرجوازية” القادرة على أخذ الشأن الحزبي “شيلة بيلة” كما يقول المثل الشعبي، وذلك على حساب الكفاءة والنزاهة والشفافية، وقد سقطت في هذا الفخ جميع الأحزاب الكبرى او الرئيسية، بما في ذلك تلك التي تعكس تعبيرة سوسيولوجية مضادة للتهميش المناطقي او تلك التي تبلورت كصرخة في وجه التفاوت الطبقي.
ما نطلقه من خطابات وشعارات جميلة في الظاهر، عبر وسائل الاعلام وفي التجمعات الحزبية والسياسية، نتحدث فيها عن المواطنة والمساواة والديمقراطية، يختلف تماما عن المفاهيم العنصرية والطبقية والجهوية التي نستبطنها غالبا ونتحدث بها احيانا في مجالس ضيقة مع من يشاطرنا هذه “الشكيزوفرينيا” التي تجعل من بعضنا “أسياداً” للأبد ومن بعضنا الاخر (اي اكثريتنا) عبيداً للأبد، بل عبيدًا يحملون اخلاق العبيد المؤمنين بقدرهم الدوني، المستسلمين لمصيرهم الظالم، لا أحراراً يعملون من اجل ممارسة حريتهم حقّاً وواقعاً.
الثورة أيها السادة، ليست مجرد اجبار رئيس على مغادرة الحكم والالتجاء الى الخارج، بل هي عقل سياسي جديد يجب ان نتشارك في بنائه، يُؤْمِن فعلا بأن التونسيين، جميع التونسيين، هم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، وهي منوال تنموي جديد علينا العمل على إرسائه وتنفيذه، يتطلع الى جعل تونس الساحلية والداخلية على قدم المساواة التنموية في أفق معقول ومقبول.
فما قالته السيدة بن حسين إذًا، ليس مجرد عبارة يحتجّ عليها قولاً، بل ممارسة يجب ان تتوقف فورًا، وسياسة عليها ان تتغير فعلاً.. وأخيرا اين نحن من قاعدة “التمييز الإيجابي” باعتبارها استحقاقا ثوريا ودستوريا يجري الالتفاف عليه بمبررات واهية وسلوكيات خطيرة دون أدنى رد فعل او احتجاج، فيما نتبارى في الهجوم على سيّدة أتت بها الرغبة الديكورية في تزيين التشوهات الواقعية.
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP