الجديد

في ظل أزمات الداخل وفوضى الاقليم .. هل تصمد التجربة التونسية؟

منذر بالضيافي
تواجه التجربة التونسية، في الانتقال الديمقراطي، التي ما تزال صامدة برغم الصعوبات التي مرت – ولا تزال – بها، ازمات عديدة ومركبة، يتقاطع فيها الداخلي بالإقليمي والدولي، ففي الداخل ترمي الأوضاع الاقتصادية المتردية بتداعياتها الاجتماعية، خصوصا بسبب تدهور المقدرة الشرائية، الذي رمى بضلاله على المشهد السياسي والحزبي، عشية الاستحقاقات الانتخابية، المقررة لنهاية السنة الجارية.
أما في المستوى الخارجي، فان فوضى اضطراب الاقليم، في علاقة بالحراك الجزائري وخاصة بتعقد الأزمة الليبية، التي أصبحت تمثل خطرا أمنيا واستراتيجيا على الأمن القومي التونسي، في تزامن مع تواصل الخطر الارهابي.
كما لا يجب أن نهمل تغير موازين القوى الدولية في علاقة بتيار الاسلام السياسي( الذي يشارك بقوة في منظومة الحكم في تونس)، وذلك بعد تراجع المحور الداعم له دوليا، الذي تمثل فيه تلويح الادارة الأمريكية والعواصم الغربية، بتصنيف “الاخوان المسلمين” كجماعة ارهابية، الذي لا يمكن التغافل عنه خصوصا في ظل محيط عربي واقليمي معادي للديمقراطية ولمشاركة تيارات الاسلام السياسي في الحياة السياسية.
استحقاقات 2019 .. ثورة الصناديق
عشية الاستحقاق الانتخابي الهام، التشريعي والرئاسي، المقرر لنهاية السنة الجارية، والذي انطلقت حملته الانتخابية بصفة مبكرة، نلاحظ أن البلاد دخلت بصفة مبكرة في ما أسماه الرئيس الباجي قايد السبي ب “الحمى الانتخابية”، التي تغذت أساسا من نتائج عمليات سبر الآراء، التي كشفت عن كون البلاد مقدمة على ما يشبه “الزلزال”، أو الأصح والأقرب مقدمة على “ثورة الصناديق”، وذلك بعد الكشف عن تراجع كبير في أحزاب ورموز منظومة الحكم الحالية (منظومة السيستام).
مقابل ترجيح كفة الذهاب نحو ما يعرف ب “التصويت العقابي”، الذي يتوقع أن تستفيد منه بالأساس، وفق نتائج سبر الآراء المنشورة، جمعيات وشخصيات تنشط خارج ما يسمى ب “السيستام” أو على هامشه، و التي تصنف ب التيارات “الشعبوية”، كما يتوقع أن تستفيد من الوضع الحالي، أحزاب عرفت بنقدها الشديد لأحزاب أو منظومة الحكم، ونعني هنا أساسا كل من “التيار الديمقراطي” و “الحزب الدستوري”، بقيادة التجمعية السابقة عبير موسي.
وما زاد في “ارباك” أحزاب منظومة الحكم، هو الاقبال الكبير على التسجيل، الذي تجاوز عتبة المليون مسجل جديد، والذي يتوقع أن يكون له وقع وتأثير كبير على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لكن، مع ذلك، يجب أن يدرك الجميع، أن المليون تسجيل جديد ليس مسجلا في دفتر خانة، لفائدة هذا الطرف أو ذاك.
وأنه بالتالي، لا يوجد شخص أو حزب، له الأسبقية في اعلان الفوز مسبقا في الاستحقاقات القادمة، خصوصا وأن الدراسات السوسيو –سياسية، حول الشخصية القاعدية للتونسي، تشير الى أنه أقرب وأكثر ميلا نحو ما يسمى ب “التصويت المحافظ”، أي أنه أقرب الى اختيار الأحزاب المهيكلة والمنظمة والمعروفة، حتى وان كانت تمر بمشاكل وأزمات، أو لها حصيلة سلبية نتيجة تحملها لأعباء الحكم.
وهذا ما حصل في الانتخابات البلدية الأخيرة (ماي 2018)، اذ وقع الاختار على التصويت للأحزاب التقليدية ( النهضة والنداء)، برغم بروز لافت للقائمات المستقلة. فهل يعاد سيناريو البلديات في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة أم أن وضع جديد في طريقه للتشكل مثلما تشير نتائج عمليات سبر الآراء؟
أي مصير للانتقال الديمقراطي ؟
تواجه التجربة التونسية، في الانتقال الديمقراطي، مخاطر خارجية وصعوبات و “انحرافات” داخلية، قد تحكم عليها بالفشل والانهيار، فمن خلال متابعة مسار التجربة، بعد ثمانية سنوات ونصف من الثورة، لابد من الاشارة الى ان استمرارها يبقي رهين العوامل التالية:
* الاصرار على التمسك بإدماج وتأطير حركات الاسلام السياسي ممثلة في حركة النهضة في الحياة السياسية وفي الحكم، فالصراع مع الاسلام السياسي اثبتت التجربة انه أنهك المجتمع وأضعف الدولة.
* دعم التوافق والتعايش بين التيارات الرئيسية وهي الاسلامية واليسارية والدستورية والقومية.
* التمسك بحرية الراي والتعبير والاعلام فلا ديمقراطية دون اعلام حر ومهني.
* استيعاب وتفهم اكراهات المرحلة الانتقالية برغم حالة التذمر من تردي الحالة الاقتصادية وما قد يصاحبه من حراك احتجاجي نتيجة شيوع التفاوت الطبقي والجهوي.
* مقاومة الفساد لذي تحول الى ظاهرة تنخر المجتمع ومؤسسات الدولة وتهدد بإيقاف المسار برمته.
* الانتباه الى الفوضى الاقليمية والمحيط العربي المعادي لفكرة الديمقراطية.
* العمل على بناء احزاب سياسية ديمقراطية مهيكلة ولها تصورات وبرامج وغير خاضعة ل “الزبونية” وصراعات “التموقع” والحرب حول السلطة.
* الاقتناع بانه لا سبيل لإعادة انتاج سلطة الحزب الواحد والدولة السلطوية التي تهيمن وتخضع فعاليات المجتمع وتفرض “دولنة المجتمع” (هيمنة الدولة على المجتمع ) وفق عبارة عالم الاجتماع عبد الباقي الهرماسي.
* ضرورة الاسراع بالقطع أو على الاقل تعديل منوال التنمية الذي يمثل استمراره تعطيل للعدالة الاجتماعية وللنمو الاقتصادي ولمراكمة الثروة، والاقتناع بان ماحص خلال سنوات ما بعد الثورة هو استمرار لا قطيعة.
* فتح حوار وطني كبير من اجل القطيعة مع الاسباب التي قامت عليها ثورة جانفي 2011.
العدالة الاجتماعية قبل الديمقراطية !
دون تحقيق ما سبق وان اشرنا اليه ، و التي نقدر أنها تمثل شروط أساسية، على الطريق لإعادة الثقة بين الطبقة السياسية والمجتمع، فضلا عن كونها ستمهد لتجسير الفجوة بين الطرفين ( الحاكم والمحكوم) ، دونها فان تونس ستكون مقدمة على توترات بل انفجارات اجتماعية، ستهدد وحدة المجتمع واستمرار الدولة، التي ضعفت واصبحت مؤسساتها هشة.
في الاخير، اشير الى ان المناخ المجتمعي والسياسي الحالي، قبل اقل من نصف سنة من الانتخابات، يبدوا غير واضح لدى غالبية الفاعلين السياسيين، الذين عليهم الانكباب على فهم واستيعاب ما يجري من تحولات، في المجتمع التونسي وفي العالم أيضا.
وهي تحولات ذات نسق سريع، في ارتباط بالميديا الجديدة، و التي تشير الى أمراض وأزمة الديمقراطية التمثيلية (حركة السترات الصفراء في فرنسا)، تحولات نلاحظ أنها بصدد التحول الى انموذج الذي يحتذى به في تونس.
كما علي الطبقة السياسية في الحكم والمعارضة خاصة أن تدرك أن المطلب المجتمعي اليوم لم يعد الديمقراطية بل التنمية، والتي لا تتحقق الا بدولة قوية وعادلة، تؤمن الاستقرار والعدالة الاجتماعية، عبر التوزيع العادل للثروة، والقضاء على التهميش والتفاوت الجهوي.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP