الجديد

قيس سعيد .. رئيس غير نمطي في قرطاج  

هشام الحاجي
لا يمكن لتنصيب رئيس جمهورية ان يكون حدثا عاديا “يجوز” المرور عنه مرور الكرام فما بالك اذا تعلق الامر بتنصيب رئيس جمهورية تونس التي تجتاز بكل المقاييس مرحلة اقل ما يقال عنها انها “استثنائية ” و “لا نمطية ” اذا ما وقع تنزيلها في اطار مناخ سياسي عربي تفصله عقود حتى لا نقول قرون عن الحكم الديمقراطي و في سياق تعثر  تجارب “الربيع العربي ” في مصر و ليبيا و اليمن و سوريا و بقاء “امل نجاحها ” معلقا على تونس فقط .
و حين “تتساوق ” هذه اللانمطية العامة مع وصول شخصية لانمطية الى  سدة رئاسة الجمهورية يتحول يوم التنصيب في حد اته الى يوم “استثنائي” بكل ما في الكلمة من معنى قيس سعيد الذي سيكون سابع رئيس للجمهورية التونسية يمتلك في باب الاستثناء سمات لم يسبقه اليها اي رئيس من الذين سبقوه .
فهو لم يستند الى سردية النضال ضد الاستعمار او ضد “انحرافات الدولة الوطنية ” لتعبيد طريقه الى قصر قرطاج و لم ينسب نفسه يوما الى الحركة الحقوقية و هو ما يجعله رئيسا متخففا من اثقال الماضي على المستوى الشخصي .
قيس سعيد لم “يبشر ” في حملته الانتخابية و لم “ينذر ” و لم يقدم وعودا انتخابية و هو ما يجعله اول رئيس يدخل قصر قرطاج على اجنحة الصمت و الغموض و هو ايضا اول رئيس للجمهورية التونسية ينال تفويضا شعبيا غير مسبوق .
رئيس تونس الجديد يغذي غموضا كبيرا من الناحية الايديولوجية اذ لا تعرف درجة المسافة التي يقيمها مع الاسلام السياسي و الايديولوجيات اليسارية و القومية اذ لم ينخرط في السنوات الاخيرة في الجدل الايديولوجي و السياسي و اكتفى بالانتصار في اسهاماته العلنية للغة العربية و للدستور و بتسلق نوايا التصويت في عمليات سبر الآراء على امتداد سنوات وسط غفلة الطبقة السياسية التي حاول بعضها في الاسابيع الاخيرة التقرب من قيس سعيد .
قيس سعيد مدعو بحكم توليه رئاسة الجمهورية الى احداث قطيعة مع بعض ما الفه من عادات و الى تحمل المسؤولية كاملة . و لا نعني بالعادات التردد على المقاهي الشعبية او الحفاظ على العلاقات الاجتماعية بل “تعويم المسائل ” و الاكتفاء ببعض الشعارات لان سقف التوقعات الذي خلقه انتخاب قيس سعيد قد ارتفع الى اعلى المستويات و جعل اغلب التونسيين يعيشون من الناحية النفسية في مناخ من التفاؤل الذي اوجده اعلان الاستقلال و الجمهورية و خلق حالة من التجند المجتمعي التي تمثل رسالة للرئيس المنتخب حتى لا يكون سببا من اسباب العودة الى مربع الاحباط و خيبة الامل بكل ما في هذه العودة من اخطار .
ليس سعيد الذي لا “يحمل الاحزاب السياسية في قلبه” مجبر بحكم وظيفته على التعامل مع الاحزاب السياسية و على “التفاعل ” مع مناورات و اساليب قادتها التي قد لا يقدر على تفكيكها و هو ما يعني انه سيكون امام ضرورة الكشف عن درجة الذكاء العملي التي يتعامل بها مع الاحداث و على قدرته على ان لا يفقد في سياق البحث عن التوافقات بما تعنيه من قبول للتنازلات عن ثوابته التي جعلت منه ايقونة قبل ان يكون رجل سياسة .
امتحانات و عقبات عديدة تنتظر قيس سعيد الرئيس و هي بكل تأكيد اكبر و اخطر من تلك التي تخطاها قيس سعيد المترشح لرئاسة الجمهورية . قد تكون عملية اسناد المهام في رئاسة الجمهورية و المؤسسات المرتبطة بها رغم اهميتها ابسط اختبار يواجهه قيس سعيد و ان كانت دلالاته لا تخفى من حيث الاشارة الى درجة التمكن من الفصل بين “العائلة ” و “الدولة ” و هو الفصل الذي يكاد يتحول الى مطلب شامل و من حيث درجة قرابة قيس سعيد من مختلف التيارات الفكرية و السياسية .
الاختبار الثاني هو الكيفية التي سيواكب بها و يرافق من خلالها رئيس الجمهورية عملية تشكيل الحكومة في ظل ما تبرزه المؤشرات من تباين الآراء بين الاحزاب و سعي بعضها للألقاء به في اتون توجه قد يخلق توترا في علاقته بحركة النهضة و هو ما قد يعيد الحياة السياسية الى مربع القطيعة بين قرطاج و القصبة في صورة تمكن النهضة من تشكيل الحكومة .
اهم اختبار على المستوى الوطني هو الكيفية التي سيعتمدها قيس سعيد و قد اصبح على راس اهم مؤسسات “النسق ” تفكيك “النسق ” من اجل ارجاع السلطة و السيادة للشعب وفاءا لشعاره المركزي في الحملة الانتخابية .
سيكون هذا الاختبار سيرا بين التناقضات و عملية ستحدد جانبا من مستقبل عملية الانتقال الديمقراطي في بلادنا و المستقبل الشخصي لقيس سعيد . و لا شك ان الحديث عن رئاسة الجمهورية يفرض التطرق الى السياسة الخارجية التي كان قيس سعيد شحيحا في التعبير عن مواقفه منها و اكتفى بموقف هام و ثوري في رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني و التأكيد على اولوية العلاقة مع الجزائر .
و لكن المشهد اعقد من ذلك بكثير اذ تجد تونس نفسها حاليا في قلب صراعات محاور و هو صراع ينعكس على الحياة السياسية في بلادنا خاصة و ان اهم حزب -من حيث نتائج الانتخابات – و هو حركة النهضة لا يخفي اقترابه من المحور القطري- التركي و هو ما يفرض تمشيا لا احد يعرف ان كان الرئيس الجديد يقبله او يرفضه علاوة على ان “الدب الروسي” يطرق منذ سنوات على ابواب تونس دون ان يجد الاجابة التي تشفي غليله “خوفا” من رد فعل بعض “رعاة الربيع العربي”.
فهل سيدفع قيس سعيد في اتجاه فتح الباب اكثر امام “الدب الروسي” و “العملاق الصيني” بما من شانه ان يحقق توازنا جديدا ام سيساير السائد و يبقي على الاوضاع على ما هي عليه حاليا ؟
هشام الحاجي
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP