الجديد

معركة قيس والنهضة .. الديمقراطية هي الخاسر الكبير

منذر بالضيافي

بعد عشرية الثورة، وعلى خلاف ما كان متوقعا، ذبل ياسمين الثورة التونسية، الذي سبق و أن أعاد بلد صغير الى واجهة الاحداث الدولية. كما أحدث حراكا عربيا، مس كل عواصم العالم العربي من المحيط للخليج، كان منطلقا لما عرف ب ” الربيع العربي”.

وكانت تونس ” البلد المنشأ” لا المصدر لهذه ” الصحوة الديمقراطية “، مهيأة بالنظر لعوامل عديدة لنحن “مثال ديمقراطي”،  منها انتشار التعليم ووجود نخبة عصرية وحركة تحديث قوية فضلا عن تجانس اثني وديني وانفتاح على المجتمع الغربي بفعل موقعا الجغرافي وأيضا ثراء وتنوع تاريخها.

كانت بلادنا – التي فاجأت العالم بثورة سلمية ودستورية في مسارها الما – بعد الثوري  مهيأة اكثر من كل الاقطار العربية،  لنحت انموذج ديموقراطي في محيط اقليمي وعربي معادي للفكرة الديمقراطية ، وبمنطلق لبداية تدشين لحظة بداية الاعلان عن موت النظام الرسمي العربي التسلطي والاستبدادي.

لكن حصل العكس، واستطاع النظام العربي العميق”، ان يستعيد اليات اشتغاله بعد ان تمكن من امتصاص ” صدمة الثورة التونسية”، وانتقل الى طور المبادرة، مستفيدا من عقم وفساد النخب التي قادت ما يسمى بالانتقال الديمقراطي، و مستفيد خاصة من ” طائفية ” تيار الاسلام السياسي، الذي تصدر المشهد السياسي ومؤسسات الحكم، بعد سقوط النظام الذي قامت عليه الثورة.

ولعل ابرز مثالين هما في مصر و تونس، وان كان هناك تفاوت يعود لخصوصية بنية الدولة في البلدين، وخاصة موقع و دور المؤسسة العسكرية، ومع ذلك حصل الاشتراك في الانتكاسة المسار وان بدرجات متفاوتة، والتي كان مردها – واساسا في الحالة التونسية التي هي محل اهتمامنا في هذه المقالة -، فشل  حكم الاسلاميين الذين اخذوا فرصتهم كاملة،  سواء من قبل المجتمع، الذي أراد ان يعوض لهم سنوات المظلومية في عهدي بورقيبة وبن علي، او حتى من قبل النخب على عدائها  الكبير لمشروعهم.

وهو فشل كان متوقعا، لدي كل الباحثين والخبراء الدارسين لحركات الاسلام السياسي ، فلا نكاد نعثر تاريخيا على تجربة  حكم ناجحة باسم هذه الحركات، ونعني هنا في العالم العربي السني المذهبي.

اذ ان التجارب التي حكمت باسم الاسلام السياسي، خلفت تراجعا مجتمعيا وسياسيا وثقافيا وصل حد الدمار، ولعل التجربة السودانية خير مثال على ما ذهبنا اليه، التي انتهت بعودة حكم العسكر وبتقسيم البلاد.

و في هذا الاطار لم تخرج التجربة التونسية عن هذه القاعدة، فبعد عشرية من مشاركة قوية ومؤثرة للتيار الاسلامي في الحكم، انزلقت البلاد الى ازمة شاملة ومعقدة وغير مسبوقة في تاريخها الحديث، من سيماتها انهيار اقتصادي وضع البلاد على حافة الافلاس، انقسام مجتمعي وسياسي اصبح يهدد وحدة المجتمع والدولة التي تعاني من مظاهر التفكك، بفعل اضعاف أجهزتها، أو بسبب  تصاعد الشعبوية التي استطاعت الوصول للحكم ( فوز قيس سعيد بالرئاسة) في الاستحقاق الانتخابي الاخير ( 2019).

والذي كان ردة فعل على الفشل الكبير في الحكم ، تمثل في تصويت جماعي يوصف ب “العقابي”، فشل سواء من جهة ترشيد الحوكمة، حيث انتشر الفساد وتحول الى سرطان ينخر جسم الدولة، او من جهة غياب رؤية وبرنامج حكم خاصة في بعده الاقتصادي، يكون بمثابة مقدمة لمنوال تنموي جديد، يقدم كبديل للمنوال الذي وصل نهايته وقامت عليه ثورة شعبية.

وهذا ما جعل من حزب “النهضة” الاسلامي، يظهر على انه حزب “تواصل” لا “قطيعة” مثلما كان مطلوبا بعد كل ثورة، لذلك نلاحظ أن التونسيين يعتبرونه بمثابة ” تجمع جديد” ، في اشارة لحزب التجمع الحاكم، الذي اسقطته ثورة 14 جانفي 2011.

لكن، المطلوب اليوم وبعد بروز صراع محموم حول السلطة، بين النهضة والرئيس قيس سعيد، ان تكون النخب التقدمية والديموقراطية وفعاليات المجتمع المدني ومنظماته الوطنية ( اتحاد الشغل خاصة) على يقظة، وان لا تخطأ البوصلة، وأن لا تعيد ما حصل في التصادم الذي حصل بين الاسلاميين ونظام بن علي في بداية تسعينات القرن الماضي، والذي كان مدخلا للزج بالبلاد في حقبة نظام تسلطي و “مافيوزي”.

انه من البؤس أن نجد في خطاب بعض النخب “قابلية” و “حنين” للاستبداد، من خلال الاصطفاف الاعمى، بدعوى مقاومة “الأخونة”، متناسية أنها تصطف وراء صراع بين تيار اخواني ورئيس على يمين الاخوان يحمل تصورات رجعية  للمجتمع وحرية المرأة، فضلًا عن كونه يبشر بمشروع حكم فردي/ تسلطي، يسعى الى مركزة كل السلطات بيده بما في ذلك الأمنية، والتفرد بحق تأويل الدستور مستفيدا من غياب المحكمة الدستورية.

في المقابل، على النخب التقدمية، أن تدرك بأن الفرصة سانحة اليوم ، من اجل بلورة بديل وطني تقدمي وديموقراطي، لا الاكتفاء بالفرجة او الاصطفاف وراء أحد طرفي المعركة ، التي نقدر مسبقا أن نتائجها ليست في صالح الديمقراطية، ولا في صالح المشروع الوطني العصري، الذي قامت عليه الدولة الوطنية الحديثة .

وأخيرا، فان المعركة القادمة للنخب التقدمية، تتمثل في فصل الدين عن الدولة، حتى  يصبح همّ السياسيين الوحيد هو إيجاد حلول للاقتصاد والتعليم والفقر والبطالة……عوض استغلال معتقد النّاس للوصول إلى السلطة.

فكلا من النهضة وقيس سعيد  يتنافسان على الدّين ويعتبرانه اصلا تجاريا ، والشّعب هو المسؤول عن اختيارهما. و صراعهما  سيزيد في اضعاف الدولة، ومزيد تفقير المجتمع في ظل ازمة اقتصادية خانقة وتداعيات الوباء.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP