الجديد

هشام الحاجي يكتب عن: “عشرية طبخ الحصى و محاربة طواحين الريح”

هشام الحاجي

يندر أن يشعر تونسي اليوم بالارتياح و الاطمئنان على وضعه الحالي و خاصة على مستقبله. و هذا الاستنتاج لا يتجاوز المواقف السياسية ليحيل إلى ما يمكن اعتباره ” ميزة ” تونسية تتمثل في أننا سباقون في مستوى المنعرجات التاريخية و لكننا لا نملك القدرة على أن نحقق ما ينبغي ان يرتبط مع هذه الأسبقية من مكاسب و هو ما تجلى في ضعف مكاسب الدولة الوطنية مقارنة بما أثارته من تطلعات و أيضا في ما يشبه غياب المنجز في العشرية الأخيرة رغم أن ” الثورة ” قد فتحت الباب أمام كل التطلعات و التوقعات و الأحلام.

و لكن إذا ما استثنينا ” منجزا ” سياسيا هشا لأنه لا يستند إلى ما يسنده في مستوى الرخاء الإقتصادي و حياد أجهزة الدولة فإن العشرية الأخيرة لم تكن عشرية الإنجاز بل شهدت تراجعا لافتا شمل كل المجالات و المؤشرات و أدى إلى تراجع الأحزاب السياسية التي تتصدر المشهد السياسي حاليا عن الأفكار و البرامج التي اعتمدتها للاطاحة بالنظام السابق.

و قد أخذت العشرية الأخيرة في ” تكريس” اخطاء يمكن أن تكون لها تداعيات سلبية على البلاد و على النخب التي تتصدر المشهد السياسي كرفع سقف الوعود دون قدرة على الإنجاز و الاستخفاف بالأخطاء و غياب الرغبة أو القدرة على القيام بنقد ذاتي و تعويض ما يفرضه ذلك من جهد بالمضي قدما في عملية ” طبخ الحصى ” للشعب التونسي.

من خلال تقديم وعود لا تتحقق لشعب تضاعفت نسب الفقر و البؤس و البطالة في صفوفه و تفاقمت مظاهر الفساد و التفاوت الاجتماعي و أخذت كل مكاسبه تتلاشى و لكن دعاة ” الثورة” لا يأبهون بذلك لأن ما يهمهم هو نجاح ” الثورة ” من خلال تمكنهم من السلطة و النفوذ.

و من أهم مكونات طبخ الحصى التذرع بمسار الثورة الفرنسية و التحولات التي عاشتها أوروبا الشرقية رغم الإختلاف الجوهري في السياقات التاريخية و رغم أن ممارسة السلطة تعني التوقع و الاستباق أكثر مما هي تبرير لا يقدم حلولا بل من المفارقات أن الذين يلجؤون لهذه التعلات أصبحوا غير مكترثين بهموم المواطنين و مشاغلهم لأن ” الثورة” أهم من المواطنين و همومهم.

و هو ما يؤدي منطقيا إلى تبني منطق بارد يحول الدولة إلى ” وحش” لا تعنيه العواطف و المشاعر و الأحاسيس و يمثل تبريرا لأي توجه استبدادي ممكن. و تكتمل دائرة الفشل من خلال تبني منطق دنكيشوتي ينخرط في محاربة طواحين هواء غير مرئية كالغرف المظلمة و قوى داخلية وخارجية ” تتامر” على الثورة دون القدرة على كشفها أو محاسبتها بل أن هذه النزعة أدخلت تونس في متاهة الصراعات الإقليمية التي لم تفدها بل ضاعفت مشاكلها.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP