هل كانت حكومة الوفاق على علم بموعد هجوم حفتر؟
محمد عبد المؤمن
عندما أعلن الخبر في وسائل الاعلام العالمية حول هجوم قوات خليفة حفتر على طرابلس اعتقد الكثيرون كون العاصمة الليبية ستسقط في ظرف ساعات أو على أقصى حد أيام قليلة خاصة مع الحملة الاعلامية التي أطلقت بالتزامن مع العملية من قبل عديد وسائل الاعلام وخاصة العربية والأمر طبيعي ومبرر فما حصل هو أن قوات الكرامة وصلت تخوم العاصمة ومن المنطقي الاعتقاد أنها ما كانت لتنجح في ذلك ان لم تكن متيقنة أو شبه متيقنة كون الهدف سيتحقق .
لكن ما حصل أن المعطيات انقبلت بسرعة ولم تكتف القوات الخاضعة لحكومة الوفاق بالتصدي للهجوم والدفاع عن طرابلس بل تمكنت في الزاوية من أسر العشرات من مقاتلي القوات المهاجمة ما يعني أن القوات المهاجمة لم تفقد عامل المفاجأة فقط بل وتكبدت خسائر كبيرة أيضا .
بالنسبة لمسألة السيطرة على مدينة غريان فان الأمر لا يمكن اعتباره نصرا عسكريا فقوات حفتر دخلتها بلا قتال ودون اطلاق أي رصاصة ولعل هذا ما أعطاها ثقة في النفس لم تكن في مكانها.
ما حصل أن الوضع انقلب كليا ورغم ما وصل القوات المهاجمة من تعزيزات وأسلحة نوعية نسب مصدرها للإمارات ومصر الا أن المواجهات انتقلت بسرعة من مداخل طرابلس الى خارجها .
هنا علينا أن نتساءل : هل فعلا كان هجوم قوات حفتر مفاجئا لحكومة الوفاق ؟
هذا الأمر مستبعد لعدة أسباب.
الأول أن الصدمة لم تحصل والدليل الفشل الكبير في اقتحام مدينة الزاوية رغم ان الهجوم عليها كان غير متوقع باعتبار أنها من الجهة المقابلة أي ما بعد طرابلس في اتجاه الحدود التونسية.
الأمر الثاني أن وصول التعزيزات من مصراطة لم يتأخر كثيرا بل حصل في ظرف ساعات قليلة وهو ما يعني أنه كانت هناك استعدادات سابقة .
الأمر الثالث أن موقف حكومة الوفاق التي يعتبرها المجتمع الدولي الحكومة الشرعية اتسم بالوضوح منذ البداية ولم يحصل تردد ولا ارتباك بل وكأنها وجدتها فرصة لتظهر النوايا الحقيقية لخليفة حفتر كونه غير جاد في المصالحة والاحتكام للسياسة بدل القتال .
هذه الأمور مجتمعة تقودنا لسؤال أهم وهو : كيف علمت حكومة الوفاق بهجوم حفتر على طرابلس مسبقا ؟
علينا أن ندرك هنا أنه كما لخليفة حفتر دعم خارجي متمثل في الإمارات والسعودية ومصر وأيضا فرنسا فان لحكومة الوفاق دعم متمثل في تركيا خاصة وهنا علينا أن نركز كثيرا على الدور التركي وأيضا قوة الاستخبارات التركية .
هذا الأمر يجب ربطه بما حصل فيما بعد ونقصد تحديدا الاتصال بين فائق السراج والرئيس أردغان والتصريح الذي أعلن فيه دعم تركيا للشرعية وأن تركيا ستفشل المؤامرة .
هنا علينا أن نتقدم أكثر لنقرأ الأحداث ونخرج منها بفهم واضح للمشهد وأهم حدث هنا الاتفاق بين السراج وأردغان على تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك ما يعني أن تركيا لم تترك حلفاءها يواجهون مصيرهم منفردين بل هي مصممة على الوقوف معهم ومساندتهم وما التغير الحاصل في سير المعارك الا مؤشر والأمر حصل سابقا في بداية الأزمة الخليجية عندما كانت قطر مهددة بغزو سعودي اماراتي حيث تم تفعيل اتفاقية التعاون العسكري وتحركت تركيا بأقصى سرعة للوقوف مع حليفتها وعدم تركها تواجه مصيرا رسمه محمد بن سلمان ومحمد بن زايد لوحدها .
لكن هنا علينا أن نفرق بين الدعم الذي يتلقاه حفتر وفي مقابل ذلك الدعم الذي تتلقاه حكومة الوفاق الليبية فمساندو خليفة حفتر هم في الحقيقة متخوفون من الديمقراطية التي تجتاح العالم العربي لكن في الاتجاه الآخر فان حكومة الوفاق هي الممثل للشرعية التي اعترف بها المجتمع الدولي بالتالي فهناك مشروع اماراتي سعودي مصري هدفه وأد أي تجربة ديمقراطية في العالم العربي في مقابل مشروع آخر يؤمن كون الديمقراطية هي سبيب خلاص العالم العربي من حالة التخلف والوهن والتبعية .
لكن هنا علينا أن نستوعب كون تقسيم الأطراف في ليبيا الى خير وشر ديمقراطيون وغير ديمقراطيين غير دقيق بالمرة فحكومة الوفاق لا يمكن اعتبارها تمثل القسم االأول لأن مجيئها في حد ذاته لم يكن بآليات الديمقراطية بل بفرض الأمر الواقع وفي مقابل ذلك فان الحزام الذي يعتمد عليه خليفة حفتر وهو نتائج الانتخابات في ليبيا وتكوين برلمان اضطر لاتخاذ طبرق مقرا له تحول الى وسيلة وليس غاية أي أن كل طرف منهما لا يتمتع بالشرعية الكاملة .
النقطة الأخرى المهمة في علاقة بالوضع الليبي هو أن الشرعية ضعيفة في واقع تحكمه الميليشيات والجماعات المسلحة فالسراج والمجلس الرئاسي ما كان ليصمد لولا دعم الجماعات المسلحة وخاصة التي تستقر في مصراطة والأمر نفسه بالنسبة لخليفة حفتر فاطلاق تسمية الجيش الليبي على القوة العسكرية التي يعتمد عليها غير صائب وغير دقيق هو الآخر.
بالتالي فما يحصل في ليبيا اليوم ليس صراعا بين شرعية ولا شرعية بل هو معركة كسر عظم وأي من الطرفين يحقق النصر فانه سيجد دعم المجتمع الدولي وهي مصطلح يعني في حقيقته أصحاب المصالح من القوى الدولية .
Comments