الجديد

يوسف الشاهد .. "مقامرة مربحة"

كتب: منذر بالضيافي
المتابع للمشهد السياسي، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، يكتشف قدرة يوسف الشاهد، على البقاء و الصمود في قصر القصبة، وأنه استطاع كسب كل المعارك التي خاضها، مع خصومه، واخرها مع حركة النهضة بعد اعلانه التحالف مع “غريمه” نبيل القروي، ما نجم عنه “قلب الطاولة” على حكومة الحبيب الجملي الذي كلفته حركة النهضة، الأمر الذي نجم عنه سقوط الحكومة في البرلمان، في ضربة موجعة للاسلاميين، لا نبالغ بالقول بأنها “اللطخة” الكبرى لهم منذ عادوا للنشاط بعد ثورة 14 جانفي 2011، فما حصل يوم الجمعة 10 جانفي 2020 في مجلس نواب الشعب، ستكون له تداعياته على مستقبل التوازنات السياسية في البرلمان وخارجه، في اتجاه اضعاف “وزن” حركة النهضة التي تحكمت في الحياة السياسية كامل العهدة الفارطة.
كانت البداية مع من أتى به للقصبة، الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، الذي عجز عن التخلص منه، مثلما فعل مع رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد، اذ نجح الشاهد في “عزل” الرئيس الراحل في قصر قرطاج، بعد أن برر ذلك بأنه وقف ضد التوريث الذي كان يعتزم القيام به، وكان محتميا  بالدستور وبالتحالف مع “الشيخ” راشد الغنوشي، الذي تخلص من التزاماته السياسية والأخلاقية مع الرئيس السبسي، واختار تحويل وجهته نحو “ابنه السياسي” يوسف الشاهد، مشددا على حاجة البلاد للاستقرار السياسي، تحالف مكن الشاهد من البقاء، وهو ما كان له أن يتم لولا اصرار الرجل على فرض ارادته، وما أظهره من “شجاعة سياسية” ترتقي ل “المقامرة”، مثلما وصفه مقال نشر في  موقع مركز “كارنجي” للبحوث، في ديسمبر 2018  للباحثين زينب يحمد و سارة يركيس، تحت عنوان “مقامرة مربحة”، وذلك أيام بعد التحوير الوزاري، الذي أدخله رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، على فريقه الحكومي.
نفس المقال، اشار الى أنه من غير المرجّح أن يقود ذلك التعديل الوزاري إلى تحسينات اقتصادية مهمة على المدى القصير، غير أنه يبدو أن هذه الخطوة الجريئة التي أقدم عليها الشاهد أبقته في السلطة – في الوقت الراهن، مثمل ورد في المقال.
ليستمر الشاهد، الذي أثبت قدرة كبيرة على المناورة ومراقصة الجميع، ولعل اخرهم “الشيخ” الغنوشي، الذي اسقطه في واقعة جلسة منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي، التي تعود خيوط حبكها ليوسف الشاهد، وهو ليس بالأمر المخفي بل هو معلوم لدى كافة المهتمين بالشأن السياسي، ويحسب له أنه استطاع الاستفادة من الصراعات التي ضربت البيت النهضاوي وأضعفت الغنوشي، كما استفاد أيضا من الأخطاء التي صاحبت مسار تشكيل حكومة الجملي، التي بدأت من شخصية رئيس الحكومة المكلف، الذي أثبت أنه لا يمتلك لا الخبرة ولا الكاريزما ولا الموهبة على ادارة فريق حكومي، وهو ما كشفته الأخطاء السياسية والاتصالية التي راكمها طيلة كامل فترة مسار تشكيل الحكومة، وجعلته محل تندر تحول الى رفض واسع.
وفضلا عن ضعف الرئيس المكلف، الذي مثل هدية من شورى النهضة ليوسف الشاهد، فانه استغل أيضا وبذكاء حالة العطالة التي ال اليها العقل السياسي النهضوي، الذي برز بوضوح في التعاطي الغير جدي مع مختلف الأحزاب والكتل السياسية، في تكوين حكومة تكون قائمة على الشراكة من موقع الندية، لا على “التشريك الديكوري”، الذي كرس استمرار النظرة الدونية للاخر، وهو ما حصل مع حزب “قلب تونس”، الذي تعاملت معه الحركة بالكثير من الازدراء و “الحقرة”، والتي مثلت “كوة” دخلها منها يوسف الشاهد، تحرك بسرعة متجاوزا كل الحواجز الذاتية والسياسية، ليعقد اتفاق أربك المشهد البرلماني والسياسي، وفرض واقع جديد، سيمثل بداية لعزلة سياسية للنهضة، ستكون مكلفة للحركة الاسلامية، التي تعاني من عزلة داخل النخب، ومن تراجع كبير في شعبيتها، مثلما بينت نتائج الانتخابات، حيث مرت من مليون و 400 ألف ناخب سنة 2011 الى حوالي 500 ألف فقط سنة 2019.
بعد نتائج الانتخابات الأخيرة، والتي أسفرت عن خسارة كبيرة “للسياسي المقامر”، أو ما أصبحت تعرف في الخطاب السياسي والاعلامي في تونس ب “اللطخة” التي لحقت بالشاهد في الرئاسية وحزبه (تحيا تونس) في التشريعية، ذهب جل المراقبين الى أن الرجل قد انتهي وقد أصبح من الماضي، لكن استطاع الانتفاضة وتجاوز “الخيبات” أو “الكبوات” الانتخابية، ليعود فاعلا من جديد في المشهد السياسي، وهو الذي بدأ يتخلص من “تهمة” المسؤولية على “الفشل” في حصيلة الحكم، كما استطاع فك الارتباك مع الاسلاميين من موقع الغالب، وهي نقطة سياسية مهمة سيكون وزنها من ذهب في رصيد الر جل.
لكن، يبقى الرجل أمام تأكيد “مهاراته” بعد الخروج من القصبة، وهل سيكون قادرا على الاستمرار في تحقيق الانتصارات وهو خارج السلطة؟ وهل سيكون قادرا على توظيف “خبرته” في الحكم لبناء حزب كبير يجمع ما يسمى بالعائلة الديمقراطية والوسطية؟

Comments

There are 4 comments for this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP