أحمد نجيب الشابي يكتب عن العودة السياسية: النهضة الاسلامية تخطط لاستعادة الحكم
أحمد نجيب الشابي *
بدأنا السنة السياسية الجديدة وهي الخامسة في عهدة الرئيس الباجي قائد السبسي والمنظومة التي اختارها لقيادة البلاد بتحالف وتوافق مع حركة النهضة بإعلان منه عن نهاية التوافق بينه وبين حركة النهضة. ولعل السبب الظاهر الى حد الان هو تمسك الاسلاميين بيوسف الشاهد على رأس الحكومة، وللاشارة فقد حاول رئيس الجمهورية إقالته منذ شهر جانفي 2018، دون جدوى لعدم مسايرة النهضة له في ذلك، بدعوى الحفاظ على « الاستقرار الحكومي »، في خطوة اعتبرت مفاجئة اذ لم تعودنا حركة النهضة بمثل هذه الصلابة في وجه حليفها، فما الذي حدث؟
يبدو أن أشياء كثيرة تغيرت منذ اتفاق باريس (صائفة 2013)، فالنهضة لم تعد تخشى على أمنها من السيناريو المصري، مثلما كان أثناء اعتصام « الرحيل » وقبل سقوط حكومة علي العريض ثم قبل التحالف بعد انتخابات 2014.
حليف علماني جديد
أدركت النهضة أن حليفها فقد تدريجيا قوته حتى أنه لم يعد يمثل رهانا مستقبليا، وهي التي بدأت تستعد لتسلم الحكم في الخريف القادم، بعد أن أصبحت الحزب الأول منذ الانتخابات البلدية. فضلا عن كونها تعتقد أن « الأسرة الدولية » قد اطمأنت إليها وقبلت بها كعنصر توازن في الحياة التونسية.
للإشارة فان النظام الانتخابي، لا يسمح مبدئيا لأي حزب بمفرده ان يتحصل على الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان، خاصة وأن الانتخابات البلدية نفسها أظهرت ان النهضة ولئن احتلت المرتبة الأولى بين الأحزاب فهي لا تمثل سوى أقل من عُشر الناخبين المرسمين.
في هذا الإطار ولدعم استراتيجيتها لاستلام الحكم فقد بدأت تبحث عن « حليف علماني » يتيح لها تشكيل الحكومة القادمة. ويبدو أنها وجدت ضالتها في شخص رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد الذي يعتمد على بقائه في الحكم على تأييد النهضة دون سواها، ويقابلها نظير هذا التأييد بتنازلات ترضيها ومنها إقالة وزير الداخلية السابق، لطفي براهم، الذي كانت النهضة تعتبره استئصاليا.
من جهته، ابدى الشاهد، مقدرة على حشد الأنصار داخل البرلمان، ضمن ما أضحى يعرف « بكتلة الإئتلاف الوطني » وهو إلى ذلك كسب شعبية من خلال « الحرب على الفساد » التي أطلقا في الخريف الماضي ولئن تبدد منذ ذلك الوقت بريق تلك المعركة واعترى الشك أنصارها.
النهضة أكبر مستفيد من الوضع الحالي
القطيعة بين الباجي والنهضة، تبدو جدية وتخضع لحسابات حزبية وشخصية، ليس للمصلحة العامة فيها ناقة ولا جمل. ما يجعلنا أمام مشهد تستعد فيه النهضة لاستلام الحكم من خلال تحالف مع قوة السيد الشاهد الواعدة.
يأتي هذا الاستعداد على خلفية تشض لقوى « الوسط الديمقراطي والاجتماعي » وعزوف المواطنين عن المشاركة الانتخابية (ثلثهم لم يشاركوا في الانتخابات البلدية وثلث الثلث المتبقي لم يصوت للأحزاب)، وعلى خلفية أزمة اجتماعية تهدد بالانفجار، ولا يعلم أحد مداها ولا تداعياتها على النظام السياسي.
بالرغم من خطاب الحكومة حول تحسن مؤشرات النمو والتقلص المنتظر لنسبة العجز في ميزانية الدولة فإن نسبة التداين في ازدياد وعجز الميزان التجاري يسبب نضوبا للعملة الصعبة وانهيار الدينار ويتجلى كل ذلك في التهاب الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، الذين أرهقتهم الزيادة في الضرائب وتدهور الخدمات الأساسية، والتي اتخذت أشكالا غير معهودة كانقطاع الدواء وتوقف العمليات الجراحية في المستشفيات، وانقطاع الماء، وتأخر صرف جرايات المتقاعدين، دون الحديث عن استقرار البطالة في نسب عالية تدفع بالشباب إلى اليأس وإلى الهجرة السرية بالآلاف على قوارب الموت.
التغيير الديمقراطي هو الحل
بقيت حكومة الشاهد أم رحلت لن يغير من شيئا من هذا المشهد، فالمنظومة الحاكمة لا تملك الحلول، لأنها فاقدة للرؤيا وللخبرة السياسية ولأن السياسة عندها حرب مواقع وليست خدمة للصالح العام. ويبقى الحل هو في إحداث التغيير، تغيير منظومة الحكم عبر صناديق الاقتراع في أفق الأشهر القليلة القادمة التي تفصلنا عن الموعد الانتخابي لخريف 2019.
ان الحل اليوم بأيدي التونسيين وليس بأيدي سواهم. تزخر النخب التونسية بالأكفاء والوطنيين الذين لا يطلبون كسبا أو غنما وإنما يحلمون بمستقبل زاهر لبلادهم ولأبنائهم. الحل في أن ننفض الغبار عن أنفسنا وأن نطرد القنوط. الحل بأيد النخب التي عليها تتوقف استفاقة المواطنين.
لا حل اليوم خارج تجمع النخب، ضمن حركة مدنية جامعة على قاعدة رؤيا لما نريده لتونس، في أفق ثلاث عقود، وبرنامج مباشر لتنشيط الاقتصاد، وإيقاف النزيف المزدوج لمزانية الدولة ولمبادلاتنا الخارجية (حسابنا الجاري).
نريدها حركة لا تفرق بين مستقل أو متحزب من قوى الوسط، يتساوون داخلها بصفتهم مواطنين لا غير ويتخذون القرارات باستقلالية، عن كل هيئة أخرى وعلى قاعدة « صوت واحد للشخص الواحد»، وتعمل هذه الحركة على إعادة بناء الثقة مع المواطن، باختيار مرشحيها إلى مختلف الهيئات المنتخبة على مستوى الجهات وعلى قاعدة مقياسي الثقة والكفاءة.
ان هذا المشروع يبدو حالما، ولكن لا يوجد حل سواه ، فالأحزاب القائمة غير قادرة على تحقيق التغيير، سواء تقدمت فرادا أو تجمعت في جبهة، بسبب تنافر مصالحها وضعف رصيدها لدى المواطنين. وهو مشروع يتوقف على الإرادة البشرية، والإرادة فحسب ولا يتطلب سوى التواصل مع بعضنا البعض، ولعل شبكات التواصل الاجتماعي، توفر لنا وسيلة استثنائية لإجراء المشاورات، التي تليها ندوات محلية وجهوية فندوة وطنية يمكن أن تطلق شرارة التغيير.
*رئيس الحركة الديمقراطية
Comments