المملكة العربية السعودية: كرة القدم .. القوة الناعمة
هشام الحاجي
طغى الحديث عن كرة القدم في السنتين الأخيرتين علي كل المسائل الأخرى كلما وقع الحديث عن المملكة العربية السعودية. هذا الطغيان يبدو لافتا خاصة و أن المملكة ليست بلدا معزولا يعيش على هامش الأحداث بل يتصدر العالمين العربي و الإسلامي و يؤثر فيهما رمزيا و سياسيا و اقتصاديا.
يمكن أن يعتقد البعض أن طغيان الحديث عن كرة القدم يعود إلى المبالغ الضخمة التي أنفقها أصحاب القرار في الرياض لاستقدام أفضل نجوم الجلد المدور في العالم إلى البطولة السعودية لكرة القدم.
و لكن التطرق للمسألة من هذه الزاوية يبقيها في جانبها السطحي و يكتفي باجترار شعارات و مقولات تتجاهل أهم معطيات الواقع، و التي تؤكد أن الإنسانية تتجه نحو حضارة الترفيه من ناحية، و أن كرة القدم قد كفت منذ عقود على أن تكون مجرد لعبة، و تحولت إلى ظاهرة كلية تؤثر و تتأثر بمختلف جوانب الأنشطة الإنسانية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية.
تجاوزت كرة القدم ذلك إلى أنها أصبحت، لوحدها، أحد أبرز محركات التطور الاقتصادي و الاجتماعي، و واحدة من أهم أدوات الترويج للدول. و يبدو أن المملكة العربية السعودية قد أخذت تجني ثمار الإستثمار في كرة القدم بشكل أسرع مما كان متوقعا و مفترضا.
تكفي العودة إلى أهم ما ميز إحتفالات بلاد الحرمين الشريفين بالعيد الوطني. اذ طغت كرة القدم على هذه الاحتفالات و منحتها طابعها المميز. لا يعني ذلك أن المملكة لا تملك ما يمكن أن تبرزه في هذه المناسبة و هي التي تلعب أدوارا واضحة و مؤثرة في المعادلات الإقليمية و الدولية و تمتلك مقومات قوة إقتصادية تصنفها في مراتب متقدمة في العالم.
لكن حضور كرة القدم في هذه المناسبة الهامة؛ لأنها ترمز إلى الحدث التأسيسي للمملكة و الذي منحها كيانها الحديث و إسمها، كان، في تقديري ، مدروسا و يندرج ضمن إستراتيجية القوة الناعمة التي اختارت الرياض انتهاجها في إطار ” رؤية السعودية 2030″ و التي تضمنت توظيف الرياضة كعنصر من عناصر التحديث الإقتصادي و المجتمعي.
و يمكن القول أن الأسابيع الأخيرة قد أبرزت بداية تحقيق مكاسب و مرابيح من عملية الإستثمار الضخمة في جذب لاعبين نجوم إلى البطولة السعودية.
لن نتحدث عن إرتفاع القيمة التسويقية للبطولة السعودية و ما يرتبط بحقوق البث التلفزي بل عن حدثين مهمين من الناحية الرمزية. الحدث الأول هو ظهور أبرز نجوم كرة القدم المحترفين في المملكة و قد ارتدوا الزي الوطني السعودي، مع ما يعنيه ذلك من ترسيخ لصورة جديدة لهذا الزي في المجتمعات التي ينتمي لها هؤلاء اللاعبون.
و لا يجب أن ننسى أن صناعة الإعلان و السينما و التلفزيون الأورو- اطلسية قد تعمدت و على امتداد عقود من الزمن ربط هذا الزي بما هو سلبي في السلوك و التفكير وهو ما يعني أن ارتداء رونالدو و مانيي و بنزيمة و غيرهم ” البشت ” و ” العقال” سيتسرب إلى لاوعي شباب أوروبا، و بالتالي سيغير من الصورة النمطية السلبية.
هؤلاء النجوم يمتلكون، من خلال ما يرمزون له من نجاح و عدد متابعيهم على مواقع و حسابات التواصل الاجتماعي، ملايين المتابعين و المعحبين. و حين نضيف إلى ذلك أداء رونالدو للرقصة التقليدية السعودية و تصريحاته التي أشاد فيها بالشعب السعودي و بما يتحلى به من انفتاح و قبول و ترحيب بالأجانب.
حينها ندرك أن الرياض قد وظفت كرة القدم في حملة اتصالية جذابة و ناجحة تقطع مع ” الصورة النمطية ” التي ارتبطت بالمملكة على امتداد عقود من الزمن.
Comments