الى حكومتنا العتيدة .. هذه شروط الانتصار على الكورونا
منذر بالضيافي
وجدت حكومة الياس الفخفاخ، منذ الاعلان عن منحها التفويض في البرلمان، نهاية شهر فيفري الفارط، نفسها في مواجهة أزمة استثنائية لم تكن تتوقعها، نعني الأزمة المترتبة عن وباء الكورونا، وهي التي كانت ولادتها ( أي الحكومة) عسيرة، بعد مخاض من الخلافات والتباينات، لتكون في الأخير “حكومة الأمر الواقع”، تحت تهديد رئاسي بحل البرلمان. فكيف كان أداء رأسي السلطة التنفيذية في علاقة بالأزمة الوبائية (كوفيد 19) في السياق السياسي العام في البلاد ؟ وهل تجاوزت حكومتنا العتيدة “الجراح السياسية” التي صاحبت ولادتها ؟ وما هي شروط كسب الحرب على “كورونا فيروس” التي تهدد البلاد والعباد ؟
اكراهات الولادة ومثلما توقع الجميع، نجد أنها رمت بظلالها على أداء الحكومة وخاصة في مواجهة “الكورونا”، هذا لا يعني مطلقا اتهام الحكومة بالتقصير، بل للأمانة فان المقاربة الحكومية، لحد الان قد مكنت البلاد من تجاوز المكروه، خاصة في ما يتعلق بالجانب الصحي.
في مسؤولية السلطة التنفيذية والبرلمان
اذ أنه وبالاستناد الى الأرقام الرسمية والحالة الوبائية العامة في البلاد، يمكن المجازفة بالقول أن الحكومة بصدد التحكم في انتشار الوباء، وهو ما يجد ترجمة له في الخسائر المعلنة في جانبها الصحي، سواء عدد الاصابات أو الوفايات، التي نقدر أنه تم التحكم فيها، كما كانت الادارة الاتصالية، عموما مقبولة من قبل وزير الصحة، والفريق الذي يشتغل معه، من اطارات وموظفي الوزارة، على خلاف ٍاسي السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة) التي لم تكن في مجملها “موفقة”.
مثلما كان متوقعا، من قبل كل المتابعين للمشهد السياسي في بلادنا، فان حكومة الفخفاخ، وجدت نفسها أسيرة شروط ولادتها، سواء من حيث عدم انسجام وتضامن مكوناتها، اذ استمرت التصريحات “العدوانية”، بين الأحزاب والكتل البرلمانية الممثلة فيها، ما أثر على غياب مساندة ودعم لقراراتها في علاقة بوباء “الكورونا”، سواء داخل البرلمان أو في الشارع.
ففي داخل البرلمان، كشف طلب رئيس الحكومة التفويض له على معنى الفصل 70 من الدستور، عن أزمة الثقة التي تشق الفريق الحاكم، وعن وجود جبهتين متعارضتين الاولى برلمانية، وتتكون من كتل وازنة عدديا، والثانية حكومية وليس لها قوة عددية يجعلها تمرر ما تريد.
واللافت للانتباه، هو التداخل بينها، اذ نجد كتلة النهضة ممثلة في الجبهة البرلمانية، وفي نفس الوقت هي احد المكونات الرئيسية لحكومة الفخفاخ، مفارقة برزت عند مناقشة مجلس نواب الشعب لمشروع التفويض الذي طلبته الحكومة، فتقريبا أفرغ طلب التفويض الحكومي من مضمونه، الذي أعتبر مضمون أو طلب تفويض شامل لا تستحقه الحكومة في مواجهة الأزمة، بل أن أطراف برلمانية وحتى من داخل الحكومة نفسها، رأت فيه “انقلاب” على البرلمان، وتخطيط لوضعه في “الحجر الصحي”، وسط حديث وتسريبات عن “تحالف” بين قرطاج والقصبة لاستهداف باردو وعزله.
“مضاربات سياسية” وسردية “شعبوية”
هذا ما يكشف على أن “حكومتنا العتيدة” بقت أسيرة “الصراع”، الذي تحول الى “حرب باردة” بين قصر قرطاج ومجلس نواب الشعب، والذي تفجر للعلن من خلال “حرب الصلاحيات”، أو ما أطلق عليها الرئيس قيس سعيد “المضاربات السياسية”، وضعية مثلت ولا تزال ارباك للعمل الحكومي.
في ذات السياق، برز للسطح صراع اخر تمثل، في عدم الانسجام والتناغم بين “المركز” و “الأطراف”، أي بين السلطة المركزية من جهة والسلطات الجهوية والمحلية من جهة ثانية، ما جعل المشهد أقرب للتفكك منه للوحدة.
في زمن أطلق عليه “زمن الحرب”، الذي يقتضي عادة توفير كل شروط “الوحدة”، وتجاوز الخلافات حتى تضع الحرب أوزارها، وهذا ما لم يحصل الى حد الان، في وضعنا التونسي الراهن، والذي لو استمر ستكون تكلفته غالية على الجميع، خاصة وأننا نواجه عدو شرس وبأسلحة أقل ما يقال فيها أنها متواضعة، ونعني هنا شح الإمكانيات، وهشاشة البني الاجتماعية وضعف الدولة ومؤسساتها.
ينضاف الى كل هذا، ضعف الخطاب الاتصالي للسلطة التنفيذية وأيضا عدم انسجامه، بين خطاب شعبوي لرئيس الجمهورية بلغة ومفردات ومضامين غير مفهومة، وواقعية عبر عنها خصوصا تدخل وزير المالية في البرلمان، ولعل هذا ما يفسر خروج رئيس الحكومة بعد كل خطاب للرئيس، قصد التفسير والتوضيح، وعادة ما يكون “الكلام على الكلام صعب” كما قال أبو حيان التوحيدي في كتابه “الامتاع والمؤانسة”.
برزت مخاطر الخطاب الشعبوي، من خلال “الالتباس” في رسم العلاقة مع رجال الأعمال والمطلوب منهم في هذه المرحلة، لنشهد عودة خطاب فيه بوعي او دونه “تحريض” على هذه الفئة، لعل الخطورة أن سياقه يأتي مع بداية تصاعد “غضب اجتماعي”، بسبب تداعيات أزمة الكورونا ، خصوصا المترتبة عن فرض الحجر الصحي، والذي يعني احالة الألاف من العمال في القطاعات “الهامشية” على البطالة، تزامن مع بروز مشاكل في تزويد السوق من الأساسيات والضروريات، وتأخر في مد يد المساعدة للفئات الضعيف والمهمشة، في مشهد غبت عنه مظاهر التضامن المجتمعي.
ونحن نعدد مصاعب الحكومة في ادارة الأزمة، لابد من الاشارة الى أنها كشفت عن وجود ما يمكن أن نطلق عليه ب “الضعف الهيكلي”، الذي صاحب كل الحكومات التي باشرت ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، والمتمثلة في وزراء تنقص الكثيرين منهم الكفاءة و التجربة وبلا رؤية أو برنامج، وليس لهم غير “شرعية” غير الانتساب للأحزاب التي تشارك في “المحاصصة” الحكومية.
شروط كسب الحرب على الكورونا
ان “حكومتنا العتيدة” مطالبة في هذه الظروف بالتعاطي بجدية مع عديد القضايا الهامة، والتي لا تقل خطورة عن الكورونا، مثل التموين ومسالك التوزيع، والمتابعة الطبية العادية في ظل حالة الهرع التي احدثها الفيروس واثرت على متابعة بقية الأمراض، لابد من الابتعاد عن المشاحنات السياسية مثل الصراع بين الرئاسات والصراع حول التفويض، كذلك لابد من يقظة أمنية كبيرة وأخيرا لابد من خطة اتصالية ذكية وهنا ضروري بعث خلية يقظة استراتيجية veille stratégiqueلمتابعة تفاعلات كورونا في تونس وفي العالم.
المطلوب، “الان وهنا”، التعاقد اللا مشروط على وحدة وطنية، والاقرار بضرورة ترك كل الخلافات وراء ظهورنا لأن المعركة تتصل بالوجود، وذلك عبر التعويل على الذات أولا فكل حكومات العالم في حالة انكماش على مشاكلها الداخلية، والتضامن الدولي أصبح “خرافة” من الماضي، لذلك فان على “حكومتنا العتيدة” أن تعدل من أوتارها في ادارة الأزمة.
فالحرب التي نخوضها اليوم تقتضي “حكومة حرب” بكل ما تحمله الكلمة من معاني ودلالات، تكون من أولوياتها التعجيل في تعديل التركيبة الحكومية الحالية (التجارة والفلاحة والشؤون الاجتماعية) بغاية تجاوز النقائص التي برزت وهي كثيرة، استدعاء الكفاءات الوطنية التي لها معرفة وتجربة في ادارة الأزمات، دون اقصاء أو تصفية حسابات وسرديات شعبوية مغامرة لا معنى له في “زمن الكورونا”، واقرار خطة اتصالية تحت اشراف خبراء من الميدان.
ولعل الأولوية المطلقة تتمثل في بعث لجنة وطنية لإدارة الأزمة، التي نلاحظ أنها الى الان غير ممركزة كما يجب، وأن كل “الجهد” مختصر في الجانب الصحي – على أهميته – وضمن أطر وزارة الصحة.
في حين أن المطلوب هو لجنة وطنية، على رأسها ادارة واضحة ومعلومة، تتكون من الكفاءات والخبراء في مختلف الاختصاصات، توكل لها مهام وضع “خارطة طريق” تنقسم الى بعدين، يتمثل البعد الأول في التركيز على الفترة الراهنة، والتي لا نعرف متى تنتهي، فضلا على أن التعاطي مع مستجداتها يفترض مرونة وقدرة على الابتكار، ومتابعة يقظة وذكية لما يدور من حولنا في العالم، في علاقة بمقاومة الوباء، كما أنه من الضروري أن تضع هذه اللجنة الوطنية الأفقية خارطة الطريق في بعدها الثاني، خطة لمجابهة ما بعد الكورونا، التي ستكون أيضا مرحلة صعبة و معقدة.
حكومة حرب .. وخارطة طريق
لا يختلف اثنان، في كون الأزمة، التي فجرتها “كورونا فيروس” (كوفيد 19)، قد فاجأت الجميع دون استثناء، عبر العالم ولعل هذا ما يفسر حالة التردد والارتباك، الذي صاحب ردود أفعال الجميع شعوبا وحكومات.
فعلى المستوى الشعبي لاحظنا استخفافا وصل حد الاستهتار، وكانت ضريبته غالية الثمن من جهة انتشار الفيروس وتمدده ليحصد الألاف من الموتى والمصابين، ولعل المثال الايطالي خير شاهد ودليل على ما نقول.
أما في المستوى الرسمي فان قرارات زعماء العالم لم تشذ بدورها عن حال “استهتار” الشعوب، اذ لاحظنا عبر عواصم العالم، تردد وارتجال في أخذ القرارات المناسبة وفي الوقت المناسب، ما جعلها هي أيضا مسؤولة عن الخسائر، التي لحقت بدولها سواء من حيث الاصابات، أو التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، التي ستكون تكلفتها باهظة ما بعد تجلي الأزمة.
بالمناسبة نقول ل “حكومتنا العتيدة” نريد أن تكون ادرة الحرب على الكورونا، مرسومة وفق خطة واضحة المعالم وبالأرقام والبيانات، وتكون لها وسائل التحقيق والانجاز الواقعية على الأرض، وذلك ضمن استراتيجية وطنية شاملة.
كما نريد طمأنة التونسيين عبر خطاب اتصالي واضح ومفهوم، لا طلاسم تحتاج لمن يفسرها، نريد خطاب يشدد على الوحدة الوطنية لكسب المعركة، خطاب يتفهم من ينتقد الحكومة، وهو ما تفرضه الديمقراطية التي لا يجب التنازل عنها أو توظيف الظرف الكارثي لضربها ولضرب الحريات العامة والخاصة.
كما نريد خطاب سياسي واقعي، مدرك للتحديات دون تعالي أو مزايدة وأيضا دون شعبوية، خطاب واقعي على غرار ما نلاحظه في خطابات عدد من زعماء العالم، مثل خطاب الرئيس الفرنسي ماكرون الذي هو قريب منا ومن تكويننا التعليمي والثقافي زيادة على الروابط التاريخية، الذي أكد في اخر اطلالة اعلامية له، وبكل تواضع انه يتعلم من هذه الأزمة المستجدة، وشدد أيضا على انه مستعد للمحاسبة بعد انتهاء الأزمة.
Comments