بعد قرن على التأسيس .. صراع حول ارث الحركة الدستورية ؟
كتب: هشام الحاجي
يمر هذا العام (2020)، قرن كامل على تأسيس عبد العزيز الثعالبي للحزب الحر الدستوري، الذي كان من أول الأحزاب السياسية، التي يؤسسها التونسيون في سياق الانخراط في مظاهر التأطير الحديث للمجتمع، و أيضا ضمن مسار التصدي للحماية الفرنسية و مقاومتها.
لا شك أن استحضار هذه المناسبة يحيل في المستوى السياسي، إلى واقع المنتسبين للتيار الدستوري اليوم، خاصة و أن هذا التيار قد لعب منذ ثلاثينات القرن الماضي، إلى نهاية العشرية الأولى من القرن الحالي، أدوارا متقدمة في الأحداث في تونس، إذ قاد أهم معركتين و هما التخلص من الاستعمار الفرنسي و بناء الدولة الوطنية.
كما يمثل الاحتفال بمائوية الحزب الحر الدستوري، مناسبة مهمة تحيي لدى قطاعات من المنتسبين لهذا التيار الرغبة في تحقيق ما يمكنه اعتباره حلما، منذ زلزال 2011 ، و هو توحيد العائلة الدستورية.
لكن المؤشرات الواقعية، تشير إلى أن هذا الموعد قد يمثل محطة لتأكيد استحالة هذا المسعى، و ذلك لعدة أسباب بعضها يرتبط بالتاريخ، و بعضها يتصل بالحاضر و المستقبل.
قبل الوقوف عند بعض هذه الاسباب، يمكن الانطلاق من الجدل القائم حاليا بين الدساترة، حول الاحتفال بمرور قرن على التأسيس، إذ يعتبر بعضهم أن عبد العزيز الثعالبي هو المؤسس، في حين يرى آخرون أن الحبيب بورقيبة هو المؤسس، من خلال تأسيس الحزب الدستوري الجديد سنة 1934.
لهذا الاختلاف، علاقة بالسياق السياسي الحالي، و بالعلاقة بين أهم مكوناته في اليمين و اليسار، و أيضا بالخيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، و هو ما يعني أنه ليس مجرد اختلاف على محطة تاريخية، بل للأمر رهانات سياسية تجعل إمكانية تجاوزه صعبة ومعقدة.
هناك من بين الأسباب التي قد تجعل التطلع إلى توحيد العائلة الدستورية أمرا طوباويا، أن التيار الدستوري قد عاش قبل 14جانفي 2011 ، على وقع خلافات حادة طبعت مسيرته، لأن تأسيس الحزب الدستوري الجديد، كان في جوهره انشقاقا عن الحزب القديم، و لأن عدة خلافات لم يقع حلها إلا بالانقسام و باللجوء للعنف، او عنف الدولة للتغلب عليها ، و يكفي هنا استحضار الخلاف اليوسفي- البورقيبي، و أزمة سبعينات القرن الماضي وصولا إلى ما كشفت عنه أحداث جانفي 2011 ، من وجود خلافات عميقة داخل التجمع الدستوري الديمقراطي، أدت بعد حله إلى صعوبة تجميع إطاراته و منتسبيه داخل جسم سياسي موحد.
بعد ذلك التاريخ (جانفي 2011) ، لعب عاملان دورا إضافيا في تفرق الدساترة، العامل الأول هو ظهور الباجي قائد السبسي، الذي كان “انتقائيا” في التعامل مع المخزون الرمزي و البشري للعائلة الدستورية، إذ ركز على بورقيبة و أهمل بل احتقر سلفه بن علي، و همش بالضرورة قيادات الصف الأول للتجمع الدستوري الديمقراطي.
أما العامل الثاني، فهو غياب شخصية دستورية تمتلك مواصفات قيادية، إذ تصدى كمال مرجان لمهمة تجميع الدساترة و الدفاع عنهم، لكنه اتضح أنه لا يملك ما يكفي من الإرادة وكذلك الحضور، و طول النفس للمواصلة والاستمرار، كما أنه بقى أسير للبعد الجهوي (الساحل وتحديدا سوسة)، و هو ما أدى الى ذوبان حزبه في حركة “تحيا تونس “.
كما أن ظهور عبير موسي، لم يكن بدوره عاملا مساعدا على التجميع، فرغم الاختراق الهام الذي حققته في مستوى الحضور ، من خلال الحزب الحر الدستوري، سواء في مجلس نواب الشعب، أو في الإعلام، فإنها لم تستطع جذب أعداد كبيرة من الدساترة، الذين يؤاخذونها على الأسلوب الحاد، الذي تعتمده مع قيادات التجمع الدستوري الديمقراطي، الذين لا تتفق معهم في قراءة اللحظة الحالية، و في إغلاقها الباب أمام كل تقارب قد تفرضه الظروف مع التيار الاسلامي.
قد تزيد رهانات المستقبل، في توسيع هوة الخلاف بين المنتسبين للإرث الدستوري، خاصة و أن العودة للتاريخ التي كشفت الجوانب الايجابية للحبيب بورقيبة، قد تقحم أيضا بعض الجوانب الايجابية، من إرث زين العابدين بن علي، في سوق الجدل و الاستثمار السياسي، لأن مكر التاريخ يكمن أساسا في ان قادمه المفتوح على عدة احتمالات، و ما مضى منه قابل لعدة قراءات.
Comments