الجديد

حكومة المشيشي .. والحاجة لدعم الوحدة وطنية

شعبان العبيدي

شرعت حكومة المشيشي في تسيير دواليب الدّولة منذ شهرين تقريبا، وهي تواجّه وضعا صعبا معقّدا على كلّ المستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية وزادتها الوضعية الوبائية تأزّما، ووجدت الحكومة الجديدة التي يسميها البعض حكومة الضرورة في مواجهة هذه الأزمة الخانقة، وهي مطالبة بأن تجد حلـولا عاجلة وآجلة خاصة للأزمة المالية التي وصفها رئيس الحكومة المشيشي بأنها أزمة خانقة ، دون أن نغفل عن الأزمــة الصحيّة المتصاعدة الّتي باتت تثير الذعر وتنشر حالة من الهلع أمام تزايد مخيف للضحايا واختنــــاق المستشفيات.

ضرورة الوعي بالأزمة

وبقطع النّظر عن طبيعة هذه الحكومة وكيفية ولادتها والحزام السياسي الذي يدعمها باعتباره ترويكا جديدة   أو ائتلافا نفعيا، وما حاول الكثيرون الدفع به إلى أقصاه حــــــــول الخلاف بين الرئيسين في كلّ من قرطاج والقصبة، فإنّ اللّحظة اليوم كما يعيشها التونسيون بريبة وخوف من شبح الموت والإفلاس يتطلّب مـن الكتل البرلمانية بمختلف توجّهاتها واصطفافاها أن تغادر ذلك الإرث السياسيّ الأيديولوجي والصراعات الهامشية الضيقة، وأن تتحمّل مسؤوليتها التّاريخية الجسيمة. وأن تعي خطورة المرحلة وتداعياتها وتعمـــل على خلق مشروع وطني تشاركيّ يمكن من تفادي الوصول إلى حافّة الانهيار والعجز التّام خاصّة أمام تصاعد وتيرة ضحايا الكــــــوفيد 19 والخوف من أن نصل مرحلة تصبح فيها حالات الموت تقع في المنازل والشوارع.

محاذير الهاوية

فلا مجال اليوم، والحكومة تخطو على صفيح ساخن للعودة إلى نفس الأسلوب كما حدث أخيرا حيــن مساءلة الوزراء الخمسة عن الوضع الصحيّ، قائما على محاولة إظهارها عاجزة فاشلة، فاقدة لتصوّر واضــح، وهو نفس الخطاب الذي وُجهت به الحكومات السابقة. بل إنّ الحلّ اليوم والموقف الوطني المـــوضوعي الالتفـاف حول الحكومة والانخراط في عمل تشاركي بين كلّ مكونات المشهد السياسي والمجتمع والحكـومة والرئاسة لتفعيل عمل تشاركي يقدّم الحلول ويبحث عن سبل تخفيف الأزمة المالية والصحيّة والاجتماعية. وخلاف ذلك سيكون الذّهاب بالبلاد إلى الهاوية عارا لا يغتفر على جميع أبنائها.

بل إنّ معاضدة عمل الحكومة سيكون بالنسبة حتّى للمشككين فيها حماية لها من أن تبتلع من الائتلاف أو تحيد عن دورها الأساسي والدّستوري وهو خدمة الدّولة ومؤسساتها وتحقيق مطالب الشعب. ولعـــــلّ كلمة رئيس المجلس في افتتاح جلسة مساءلة وزراء حكومة المشيشي يوم الجمعة الفارط فيها كثير من الرّسائل الإيجابية الدّاعية إلى الوحدة الوطنية والانسجام بين مؤسسات الحكم الثلاث والابتعاد عن التجاذبات.

الدور الوطني للمنظمات

من جهة أخرى يبدو أنّ مسؤولية الاتّحاد العام التّونسي للشغل باتت اليوم أكثر من أي وقت مضى مسؤولية كبرى، وهو ما يرتكز عليه من لعب الأدوار الأولى في حماية الدّولة والمجتمع وتوحيد الصفوف وتقــــــديم المصالح العليا للبلاد، والسعيّ إلى خدمتها داخليا بما يمكن أن يقوم به من مبادرات لتوفير الوسائل الأساسية للعلاج ودعم المؤسسات الطبية وما يمكن أن يقدّمه على مستوى الإصلاح الاقتصادي، أو خارجيا من خلال تواصله مع المنظمات العالمية. إذ يبدو الاتّحاد اليوم مكتفيا بدور المراقب. والأمر نفسه يصحّ على منظمـــة الأعراف ومنظمات المجتمع المدني.

إنّ المعركة اليوم بقطع النّظر عن الموقف من الحكومة الجديدة وألوانها وخفاياها ومدى قدرتها على النّجاح من عدمه ليست معركة تخمينات ولطخات سياسية وتعبيرات شعبوية هزلية كأن تقول بأننا لسنا حــــــــزاما للحكومة ولا مخدّة، بل هي معركة وطنية تسكت فيها كلّ النّزوات وتتوجّه فيها الهمم الصادقة للمساعدة في إنقاذ أرواح الأبرياء والفقراء وحلّ الأزمة المالية للبلاد واستعادة حركة الإنتاج في كلّ المؤسسات والجهات درء لشبح الإفلاس وشبح فناء الألاف.

ليتوقف العبث والمراهنة على هشاشة الدّولة وعدم قدرتها على أخذ الأمور بما يخوّله لها منطقــــها ولتتّحد الإرادات من أجل خيار وطني يوقف نزيف الأزمة ونزيف الموت، فتلك هي الخدمة الحقيقة التي يمكن أن يقدّمها كلّ سياسي يتكلم باسم الشعب والطبقات المحرومة والضعيفة والمتوسطة التي تجد نفسهـــا الوحيدة عرضة للكارثتين.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP