“رمضانيات”: يكتبها خالد شوكات: “الظاهر والباطن في الإسلام” /4 من 30/
خالد شوكات
كنت قد كتبت معجبا خلال أحد أشهر رمضان مقالة عن مسلسل “الخواجة عبد القادر” الذي فاجأني بمستواه الفني العالي و خطابه الروحاني الفريد، و أشدت حينها بكاتبه الذي قدرت أن يكون صاحب موقع متميز و مكانة رائدة في عالم الدراما العربية و ما أزال، وكنت محظوظا بلقاء الكاتب و السيناريست المصري عبد الرحيم كمال لأيام معدودات ذات مرّة خلال احدى زياراتي لدولة عربية شقيقة، كانت كافية للاطلاع على نظرته في تمحيص الدين الحق من الباطل و تبين الفرق عنده بين إسلام ظاهر و إسلام باطن.
لقد ذهب الفقهاء و المتكلمة على حد سواء، و على مر قرون الإسلام المتعاقبة، إلى جعل الفرق الإسلامية المتعددة ظاهرية و باطنية، و كانت ثمة رغبة جامحة لدى الظاهريين في زندقة الباطنيين و تكفيرهم و إخراجهم من الملة، بينما لام الباطنيون على أنواعهم، إخوانهم في الدين على شيوع الرياء بينهم و جنوحهم عن جوهر الرحمة الكامن في الدين و انشغالهم بعيوب الناس الرائجة فيما لا يعلم سرائر نفوس الخلق غير خالقها.
إلا أن عبد الرحيم كمال الذي ولج الإسلام من باب “التصوف التيجاني” الرائق الرقراق الجميل، لا يحبذ اعتماد المفاهيم التاريخية الذائعة عن “الظاهر” و “الباطن”، و يميل إلى تصديق القول الرائج المنسوب بتباين، مرة للإمام مالك و أخرى للشافعي و ثالثة للنعمان رضي الله عنهم أجمعين، بأن من تفقه و لم يتصوف فقد تفسق و من تصوف و لم يتفقه فقد تزندق، و مفاد القول العمل على ربط الظاهر بالباطن و الباطن بالظاهر بميزان، مع إبقاء للباطن على أولوية ما، إذ دون ذلك تزول الرحمة و يذهب الحب و تقسو السريرة و يضطرب السلوك و ينحرف المسار.
و يرى عبد الرحيم كمال في تجربة حكم الإخوان المسلمين، و سائر الإسلاميين، فرصة لتصحيح مسار الدين، فتعلق هؤلاء بظاهر الدين دون عمقه الناضح بالمحبة لله و خلقه، و تسخيره تجارة بائرة لا محالة يحصلون بها على قليل من متاع السلطة و كثير من بهرج الدنيا، سينتهي بهزيمتهم و تسفيه منهجهم و كراهية الناس لطريقتهم، و سيأتي من بعد ذلك جيل من المسلمين يعيد بناء ما أفسدوا،
و يرمم ظاهر الإسلام بالغوص في أصله، و يقود من خلال ذلك حركة تصحيحية جوهرية باطنية عميقة تعيد للرسالة المحمدية ألقها الروحي و بعدها التعبدي و تأثيرها غير المباشر في نفوس المؤمنين، فينصلح حال الثقافة الدينية، و تستقيم المساجد لله خالصة لا يذكر فيها غير اسمه، و ينهض الدين لوظيفته الرئيسة في السمو بالأرواح و إتمام مكارم الأخلاق و النأي بالنفس عن شبهات الحكم و آثام السلطة.
و يؤمن عبد الرحيم كمال بالفنون وسائل إلى الله، و بالذوق الرفيع نعمة من الله، و يخشى الجفوة و قسوة القلب، و يرجو الرحمة فلا يرى نفسه داعية لكثرة ذنوبه، و يستغرب هبوب من كثرت معايبهم إلى دعوة غيرهم إلى طريق الحقيقة و هم أبعد الناس عنها و أضلهم منها، و يحتار كيف يهدي الكفيف البصير، و يرتعد عندما يرى جرأة تجار الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة يتخذونها معبرا لنيل جاه أو مال أو سلطة، فمن خبر الحيرة و الحب و نهل من معين العشق الإلهي لم يجد نفسه غير أولى الناس بالنصيحة و آخر من بمقدوره أن يحمل إزر الآخرين على كتفه.
و لا يخشى الفقراء في أدب الكاتب المصري حكم الظواهر، إذ سرعان ما سيتجلى الحق للناس، و بقدر ما سيكون السقوط مدويا سيأتي البناء الجديد على أسس سليمة، و ستستأنف سفينة الإصلاح و التجديد الإسلامية مسيرتها بعد انقطاع، و ستغلق ملفات الإسلام السياسي الظاهر إلى الأبد، ليفرغ المؤمنون و الفقراء و الدراويش و الربانيون حقا للنأي بدينهم عن الشبهات و الفرار بعقيدتهم عن شواطئ الحقد و الكراهية و التزوير و الافتراء و الرياء، فالله ليس في حاجة إلى دولة أو حكومة أو عساكر أو حرامية، إنما الله في حاجة إلى أن يرى خلقه أحباء إخوة على سرر متقابلين، و يفرح أيما فرح بلهفة خلقه العصاة المحبين يأتونه كل يوم مستغفرين تائبين طامعين. لقد جاءت صحبة و أخوة و صداقة صاحب “الخواجة” في وقتها حيث لم تغرب شمس الدوحة بعد، و حيث ينتظر العطشى في أرض الله الواسعة أن يهبهم الصبر و السلوان و الحكمة فيما أصاب بلادهم من خراب طال الأنفس قبل الأرضين، و طال الظاهر في الدين، أما النفس المطمئنة فسترجع إلى ربها راضية مرضية.
Comments