الجديد

ملاحظات حول مشروع قانون المالية 2020:

محسن حسن
دون الخبير الاقتصادي والوزير السابق محسن حسن على صفحته على فيسبوك ملاحظات هامة حول مشروع قانون المالية لسنة 20120، في ما يلي نص التدوينة:
-إرتفاع ميزانية الدولة ب9,5%مقارنة ب سنة 2019.هذا الإرتفاع يتجاوز القدرات المالية للدولة و يتجاوز نسبة التصخم المتوقعة لنهاية السنة الحالية.
– على مستوى الفرضيات، لم يقع الإعلان عن فرضية سعر صرف الدينار المعتمد في إعداد الميزانية للسنة الثانية على التوالي ، في حين وقع إعتماد سعر برميل النفط برنت ب 65دولار مقابل 60دولار حاليا وهي فرضية موضوعية إذا ما أخذنا في عين الاعتبار العوامل الجيوسياسية.
-ضبط مشروع قانون المالية هدفين أساسيين يتمثل الأول في تحقيق عجز في ميزانية 2020 ب 3% و 2,4%سنة 2021 و 2%سنة 2022 و الثاني في تحقيق نسبة نمو لسنة2020ب2,7%.
هذه الأهداف قابلة للتحقيق شريطة تحقيق الإستقرار الإجتماعي و السياسي و مواصلة الإصلاحات الإقتصادية الضرورية، لكن إذا ما تواصل الأمر علي ما هو عليه فلن يكون ذلك يسيرا مثل ما حدث سنة 2019 حيث لم تتمكن الحكومة من تحقيق الأهداف المرسومة في قانون المالية للسنة الحالية.
-حددت موارد الدولة في مشروع قانون المالية لسنة 2020ب 35,86مليار دينار بزيادة قدرها 8,6 %مقارنة بموارد سنة2019. الميزانية المقترحة لم تقترح اداءات جديدة و لم ترفع في نسب الأداء على المداخيل و المرابيح ما عدى رسوم لتمويل صندوق لدعم المنظومة القضائية. هذا التوجه سليم لأنه يحقق الإستقرار الجباءي و يتماشى و الإصلاح الجباءي الذي يقوم على التخفيض في الضغط الجباءي و توسيع القاعدة الضريبية. من جانب آخر، فإن الموارد الجباءية المتوقعة في الميزانية المقترحة ستحقق إرتفاعا ب 8,6% مقارنة بالسنة الحالية، ،هذا الأمر يقتضي مضاعفة الجهود و الإمكانيات لتطوير الاستخلاص الجباءي و مقاومة التهرب الضريبي و استيعاب السوق الموازية، خاصة في ظل تردي الوضع الإقتصادي و تأزم الوضع المالي للمؤسسات الصغرى و المتوسطة التي تمثل 97%من النسيج الإقتصادي التونسي. تحقيق هذا المبتغى يتطلب تفعيل كل الإجراءات المتعلقة بتحقيق التوازنات المالية للدولة.
بالنسبة للموارد المتأتية من التداين ،تجدر الإشارة إلى ان مشروع قانون المالية للسنة القادمة حدد مستوى التداين الداخلي ب 2,4مليار دينار ،وهو الحد الأقصى الممكن رفعه من السوق الداخلي في اعتقادي، و كذلك 8,8مليار دينار كقروض خارجية .
والسؤال الذي يطرح بإلحاح فيما يتعلق بالتداين الخارجي المبرمج للسنة القادمة ،هل بإمكان الحكومة القادمة في ظل المشهد السياسي الحالي القبول بشروط الممولين سواءا كانت إقتصادية أو سياسية؟هل من الممكن أيضا المواصلة في اللجوء المفرط للتداين عموما في ظل المؤشرات الحالية؟
-حددت نفقات التصرف حسب نفس المشروع ب 28,25مليار دينار بارتفاع قدره 5,1% مقارنة بالسنة الماضية.
نفقات الأجور لوحدها حددت ب 19مليار دينار،أقل بقليل من نصف ميزانية الدولة، مسجلة إرتفاعا ب 10,9% مقارنة ب 2019 لتتجاوز بذلك نسبة 15,1%من الناتج المحلي الإجمالي. هذه النسبة قد تصل إلى 16% لو وقعت إضافة بعض النفقات الأخرى كمصاريف الاكساء لبعض الأجهزة أو الزيادات في المنح المبرمجة و المتفق عليها سلفا و التي وقع احتسابها ضمن نفقات أخرى ليست في مكانها .
نسبة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي التونسي هي الأرفع في العالم و هي محل انتقاد من قبل صندوق النقد الدولي و كل شركائنا الإقتصاديين .
المشكل في ،اعتقادي ، ليس في مستوى الأجور الذي يعتبر متواضعا مقارنة بالدول المشابهة و لكن في تضخم عدد الموظفين حيث قدر عدد الزائدين عن الحاجة الحقيقة للإدارة التونسية ب 200ألف بكتلة أجور تتجاوز 5مليار دينار .الحل الهيكلي لمعالجة هذه الإشكالية العميقة هو تحقيق نمو اقتصادي هام و مستقر و دامج بالإضافة إلى التشجيع على المغادرة الطوعية من خلال إسناد امتيازات مالية و إجتماعية هامة و إعادة توزيع الموظفين بين الوزارات والمؤسسات الحكومية .
الباب الثاني من نفقات التصرف المقدرة في مشروع قانون المالية لسنة 2020 يتعلق بالتحويلات الإجتماعية و الدعم التي تراجعت ب10% مقارنة بالسنة الماضية، السؤال المطروح ،هل يتماشى هذا التخفيض مع التوجهات الإجتماعية للأحزاب السياسية الفائزة في الإنتخابات التي بنت وعودها الإنتخابية على إعادة الإعتبار لدور الدولة الإجتماعي؟ .
في نفس هذا الباب يجدر الإشارة إلى أن التحويلات الإجتماعية ستتراجع ب 5,8% و كذلك نفقات دعم المحروقات ستتراجع من 4,78مليار دينار إلى 4,18 مليار دينار في المقابل فإن نفقات المواد الأساسية ستظل في نفس مستوى السنة الحالية.
ملاحظاتي في هذا الباب تتعلق أولا بمراجعة أسعار المحروقات طبعا نحو الترفيع دون مراجعة آليات دعمها لبعض الفئات كالفلاحة و البحارة ثم مدي نجاعة النظام المعلوماتي و المحاسبي الخاص بنفقات دعم المواد الأساسية و الذي لازال بدائيا وهو ما يعني ضرورة عدم دقة المبالغ المخصصة لها.
-بالنسبة لخدمة الدين المتوقعة للسنة القادمة و المرشحة للارتفاع في توقعات بتراجع قيمة الدينار ،حددها مشروع قانون المالية للسنة القادمة ب 11.678 مليار دينار و هو ما يعادل تقريبا ربع الميزانية مما سيدفع بنسبة التداين إلى مستويات غير مسبوقة قد تصل إلى 89%حسب البنك الدولي .
الواجب يدعو الجميع إلي العمل لمعالجة إشكالية المديونية الخارجية على أسس صلبة تقوم على دفع النمو و تحقيق التوازنات المالية للدولة و لما لا تكوين صندوق وطني للمساهمة في سداد الدين الخارجي التونسي يمول من تبرعات التونسيين في الداخل والخارج و توظيف اداءات إستثنائية على مرابيح البنوك و كذلك ضريبة على الثروات…الدور المجتمعي في الإنقاذ المالي و الإقتصادي أساسي خاصة في ظل الوضع السياسي الحالي .
الباب الأخير في نفقات الدولة المبرمجة للسنة القادمة يتعلق بالاستثمارات العمومية التي حددت ب 6مليار دينار تقريبا .هذا المبلغ المرشح للتخفيض ضعيف و هزيل و يبين مرة أخرى ضعف هامش التحرك للحكومة التونسية التي وجدت نفسها بين سندان كتلة الأجور و مطرقة خدمة الدين .ميزانية الإستثمار العمومي لن تمكن الحكومة القادمة من الايفاء بالتعهدات الإنتخابية للأحزاب الفائزة و تحقيق الشغل و الكرامة و تطوير البنية الأساسية .
الحل يمكن ،في اعتقادي ،من تفعيل آلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإنجاز مشاريع عمومية تكون قاطرة لدفع الإستثمار الخاص و تطور مرافق الحياة و البنية الأساسية و كذلك دعم الإقتصاد الإجتماعي و التضامني لخلق جيل جديد من الباعثين الشبان و مواصلة تطوير مناخ الأعمال لدفع الإستثمار الخاص .
تونس قادرة على النجاح و تحدي الصعوبات المالية و الإقتصادية التي تواجهها شريطة المضي و بقوة للإصلاح و العمل و الوحدة.
محسن حسن

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP