الجديد

احتجاجات الأساتذة ..  انه غضب النّخب !

مهدي عبد الجواد
شكل التعليم في تونس أيقونة دولة الاستقلال، و كان مع الصحة و النقل القاطرة التي ميّزت المشروع الوطني التونسي منذ نهايات القرن التاسع عشر و خاصة منذ فجر الاستقلال. و لكنه ظل منذ سنوات الفضاء الذي تظهر فيه أزمة الدولة التونسية، وأزمة المجتمع التونسي.
كان قطاع التعليم – و لا يزال – قطاعا حيّا مناضلا، حمل فيه الاساتذة هموم القضايا الوطنية و الاجتماعية بل و القومية، و كان من الطبيعي ان تحتل نقابة التعليم الثانوين موقع الصدارة في كل التشكيلات المهنية الراجعة للاتحاد العام التونسي للشغل، و يعود ذلك الى ضخامة القطاع و المنتمين اليه و نسبة الانخراط و التغطية النقابية للاساتذة من جهة، و المستوى المعرفي و الوعي السياسي و الاجتماعي لطبيعة التكوين الاكاديمي و الجامعي من جهة ثانية.
يفوق المنتمون لقطاع التعليم الثانوي المئة ألف أستاذ، كلهم تقريبا منخرطون في نقابة التعليم الثانوي، و التي باتت تُعرف باسم جامعة التعليم. و خاض الاساتذة منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، سلسلة من الاضرابات ذات الطابع المطلبي المهني، مثل مطالبتهم بتحسين الظروف المادية، و مطالبتهم المزمنة بنظام اساسي، و اضرابات ذات طابع سياسي و اجتماعي، انحاز فيها هذا القطاع المناضل الى قضايا الشعب التونسي الوطنية و الاجتماعية و قضاياه القومية. لقد كان الاساتذة صوتا عاليا دائما، حين كان عامة التونسيين تحت وطأة القمع و تحت “رُهاب الخوف”.
لقد أساءت حكومة الشاهد، ووزير التربية ادارة ملف التعليم، مثلما أساءت في الحقيقة إدارة كل الملفات، و يظهر ذلك من الثورة غير المسبوقة لعموم “نُخب” البلاد، فمن الاساتذة الى المحامين مرورا بالاطباء و الخبراء المحاسبين و المحاسبين و عدول الاشهاد و عدول التنفيذ الى القضاة و عامة موظفي الدولة، لا تقوم هذه الحكومة عبر أذرعها الاعلاميةن بغير مزيد إستعدائها.
إن الآلاف المؤلفة من الاساتذة الذين اجتمعوا في حشد جماهيري الكبير، وهذه العشرات الآلاف من النّساء المثقّفات اللّاتي أتين من مختلف ولايات الجمهوريّة, قضين اللّيل كلّه في سفر, وتركن مصالحهنّ ,وأزواجهنّ ,وأبناءهنّ, أليس من حقّهنّ تبليغ أصواتهنّ,؟؟؟؟
كيف يقوم إعلام الحكومة بهذه “الحيلة” في توجيه الاهتمام من أصل القضية، كيف استطاع المدرسون و نقابتهم القيام بهذه التعبئة غير المسبوقة في قطاع مهني، نحو قضية جانبية “اعتداء على صحفية”؟؟ هب أنه، وسط الهتاف,والحماس قد يتشنّج البعض ممّن أخذتهم العزّة بالنّفس فتدفع هذه الصحفيّة, طيّب,كيف يعاقب عشرات الآلاف من أجل صحفيّة واحدة لم يثبت بعد مظلوميّتها؟؟؟ من أخذ هذا القرار الظّالم لإسكات أصوات أكثر من خمسين ألفا في زمن حرّية الكلمة,والصّوت,والتّظاهر التي كان الاساتذة سباقون الى انتزاعها و ايقاد ثورتها؟؟؟ ينتقدون الأساتذة في حجب الأعداد ,ولا يخجلون من أنفسهم في حجب أصوات حرّة, أتت من كلّ البلاد ,في تجمّع لا يتكرّر, ولحظة تاريخيّة فارقة,ويحرمون الأولياء, والتّلاميذ ,والمجتمع ككلّ, من فهم سبب غضب الأساتذة.
لا فائدة إن أردنا استمرار مسار الانتقال الديمقراطي,واستمرار السّلم الاجتماعي, من تجاهل مطالب الأساتذة,وتهميشهم,والمسّ من كرامتهم….,لا فائدة وهم غاضبون من تأجيج غضبهم, وهم يؤمّون الملايين من التّلاميذ الّذين مستقبلا سينتشرون في الامن والجيش,والقضاء,والطّب,والهندسة,والبنوك,والشّركات,والبرلمان,والحكومة,….لا فائدة من تجويع قطاع واسع, يمثّل صفوة الصّفوة ,على يديه يبنى العقل,والقلب,و العلم ,والمعرفة, والقيم ,ويفترق الجوهر عن العرض العارض,من المخجل جدّا ان حكومة الثورة  لا تحمل مشروعا للبلاد لانها لا تحمل مشروعا للتعليم.. و من المخجل ان تتعامل هذه الحكومة و وزير تربيتها و اعلامها بهذه الطريقة….. و لكن الاهم من كل ذلك، ان الاساتذة فتحوا بابا نحو الحرية، و فتحوا بابا جديدا امام العمل النقابي في عهد الديمقراطية…. و النخب دائما تنتصر.
Haut du formulaire

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP