الجديد

لماذا تونس الاستثناء ؟

كتب: بسام عوده
غيرت تونس مجرى الحياة السياسية ، على الصعيد العربي والدولي، تونس اليوم هي المختلفة بكل المقاييس ، نظرا لمورثها الحضاري والتاريخي، ونطرا لتجذر حركة التحديث السياسي المبكر (1887-1864) والمتمثل أساسا في صدور قانون عهد الأمان (1857) ودستور 1861 .
وما يميز التجربة التونسية هو المزاوجة، بين ماضيها وما يحمل من خصوصية، مع الانفتاح على العصرنة و الحداثة، فتونس حولت المقولات والشعارات من النظري الى التطبيق ( الشعب يريد ) حال لسان الشابي ، وكان لها سرها ، انتقلت العدوى وتهاوت الأنظمة وبدأت النزاعات المختلفة وانتهى زمن الصمت .
تونس الاستثناء تجاوزت  المرحلة بما فيها ، سقط النظام ولم تسقط الدولة وبقيت المؤسسات رغم بطئ الإدارة وبقيت في حالة مخاض وانتخبت رئيسها واتضحت ملامح المشهد ، تعثر المسار السياسي  وبقيت الدولة  ، عكس الثورات العربية سقط فيها النظام والدولة.
الوضع التونسي المحير اثار تساؤلات كثيرة تعطلت من خلالها لغة الكلام والتوقعات والتنظير السياسي في نمطه الممل  ،واقتربت الانتخابات وبدا العرس الانتخابي الصامت ، وبرغم كل الصعوبات والتحديات فان العالم ينظر لتونس على انها ستواصل مشوارها.
وان كان الأمر يبدوا صادما بعد نتائج الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية والذي وصف بالزلزال او الصدمة وبالتعبير التونسي ( اللطخة )، لدرجة لم يعد احد يفهم شيء وتبيّن لاحقا ان الشعب لا يريد إسقاط النظام، بل الشعب اسقط القناع .
ظهر الأكاديمي المرشح قيس سعيّد ،يحمل صمت لا نظير له وامكانات بسيطة  محيرة وكثرت التساؤلات حوله كيف وصل لأعلى السّلم باقل التكاليف وغياب هيئة رسميه  واعلام تقليدي داعم له باستثناء  التعويل على شبكة التواصل الاجتماعي.
معركه انتخابيه غير تقليدية، لكن بدأت مع ذلك ملامح المرحلة القادمة ،  وقرر الشعب بان يسقط الشعارات والأقنعة ، قرار هز العالم وغيّر مجرى اللعبة السياسية ، وتسربت للعقول بان المرحلة القادمة ستكون مختلفة.
ان  تاريخ الحركة الاحتجاجية  لتونس يجعلها قادرة على التغير ، هنا نشير الى أن الأمر أصبح الأمر شديد التعقيد   ، في ظل وجود مرشح يقبع في السجن والآخر يمتنع عن الكلام الا ما ندر ، صحيح ان هناك مشكلة دستورية لعدم تكافئ الفرص بين المرشحين  وهذا الأمر يتيح للمحكمة الإدارية الطعن في نتائج الدورة الثانية ، ان لم يفرج عن المرشح نبيل القروي ، في كلا الحالتين الأمر يصعب فهمه .
المرحلة القادمة تشير الى تغير شامل في السياسات وجل القضايا الشائكة كملف الاغتيالات السياسية والتوزيع العادل للثروات والتعامل مع دول الجوار في ظل المتغيرات في المنطقة ، لذا المأمول من المرحلة القادمة بان تبقى تونس الاستثناء والنموذج الذي يعول عليه . لان الترقب العربي والدولي للنتائج المنتظرة،   فهناك آفاق عربية ودولية لدعم استقرار تونس وينظر اليها بالحالة الاستثنائية لأنها استطاعت ان تنقذ ما يمكن انقاذه وتوجيه بوصلة  البلاد نحو التغير الهادئ وبالتالي الاستقرار.
تونس بهذه التجربة غيّرت مجرى اللعبة السياسية فيما يعرف بالتدخلات الأجنبية  وكان من الواضح ان شريحة كبيرة من المجتمع التونسي أظهرت قوة الإرادة لتغير مفهوم السياسة  التقليدية السائدة . لم يعد المشهد السياسي بمنظوره القديم متماشيا مع تطلعات الشعب الذي  اصابه الإحباط من التجارب الحزبية  ،  وبقي في حالة ترقب واستماع لما يجري من حوله وأحدث التغيّير المفاجئ وأقنع المجتمع الدولي ان تونس ليست معزولة عن تاريخها النضالي.
لكن حسب المقاييس والمواصفات التي تريد واستطاعت ان تترجم ( الشعب يريد ) من النظرية الى التطبيق على ارض الواقع بعيدا عن كل الاختلافات السياسية وهى تسعى بان يكون المسار الجديد ضمن رؤية حداثية لان نسبة الشباب في المجتمع التونسي مؤثرة واستطاعت ان تقرأ الواقع لتجنب ما يحدث في الدول من نزاعات وحروب مزقت  كيان الدولة وخسرت المكتسبات التي تحققت .
تونس تحتاج الى بناء نظام يحقق الطموحات ويعزز  مكانة المواطن في ظل تعددية متوازنة وتحقق حلم ( تونس أولا ً) بداية الفهم والصحوة لتخطي المرحلة وتكون بذلك وفعلا النموذج والاستثناء .
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP